إنها ليلةٌ أخرى يجافيني فيها النوم، وأكاد استمع إلى نبضات قلبي من جرّاء معاناتي اضطرابات القلق.
إلى متى ستظل تطاردني تلك الأفكار الهَجْسية دون توقف؟
أشعر أني أعيش أحداث ذاك الحادث المأساوي كل يوم، لكن أنّى يكون النسيان؟!
لذا سأحدثك -عزيزي القارئ- في هذا المقال عن أعراض اضطرابات القلق، وأسبابها، وكيفية العلاج.
لكن لنتعرف أولًا إلى هذا الزائر التطفلي -القلق- فهيا بنا.
تعريف القلق
يشعر جميعنا بالقلق من آنٍ إلى آخر، مثلما يحدث عند الذهاب إلى مقابلة عمل أو قبل الاختبارات المدرسية، أو عند اتخاذ أي قرار مهم.
يندفع الأدرينالين (Adrenaline) عند الشعور بالخطر، الذي يؤدي بدوره إلى تفاعلات القلق فيما يُعرف باستجابة الكرّ أو الفرّ (Fight-or-Flight Response).
إذ يُعد القلق شعورًا طبيعيًّا ينشأ استجابةً للتوتر، أو ربما للتنبيه ضد أي خطر محتمل في المستقبل من أجل الحفاظ على السلامة.
ذاك القلق العرضي لا بأس به، لكن ما زاد عن حدّه انقلب إلى ضده!
إذ تكمن المشكلة حقًّا عندما يعيش الفرد حالة من القلق المفرط بدرجة تجعله يخشى مواجهة علاقاته العائلية، أو عديد من المواقف الاجتماعية.
ما اضطرابات القلق؟
تحدث تلك الاضطرابات حينما يستمر القلق أكثر من 6 أشهر، بدرجة تؤثر في الأنشطة اليومية.
تتضمن اضطرابات القلق نوبات متكررة من القلق والخوف، ذلك كونها أحد مشكلات الصحة العقلية.
تتعرض النساء أكثر من الرجال للإصابة باضطراب القلق، وفقًا لجمعية الطب النفسي الأمريكية.
أعراض اضطرابات القلق
تختلف الأعراض من شخصٍ لآخر ووفقًا لنوع الاضطراب ذاته، وتتضمن الأعراض الشائعة للقلق ما يلي:
- الخوف المفرط وعدم الارتياح.
- صعوبة التنفس.
- الأرق.
- صعوبة التركيز.
- الشعور بالذعر أو الخطر.
- فقدان القدرة على الهدوء والثبات.
- الشعور بالبرودة أو التعرق، أو الخدر، أو الوخز في اليدين أو القدمين.
- فرط التنفس.
- خفقان القلب.
- جفاف الفم.
- الغثيان.
- توتر العضلات.
- تكرار الأفكار الهوسية.
أعراض اضطرابات القلق عند الأطفال
يعاني كل طفل من بين ثمانية أطفال القلق، لكن الوجه المشرق في الأمر أنه عادةً ما يتعلمون كيفية إدارة مشاعر القلق من آبائهم وأصدقائهم ومقدمي الرعاية لهم.
لكن حين يصير القلق مزمنًا ومستمرًا تظهر الأعراض الآتية:
- العصبية.
- الانفعال.
- مشاعر الخوف.
- مشاعر العزلة والخجل.
أنواع القلق
يوجد عدة أنواع لتلك الاضطرابات، نذكرها فيما يلي:
اضطرابات القلق العام (Generalized Anxiety Disorders)
يشعر فيه الشخص بالقلق أو التوتر بشدة بسبب أو دون سبب.
اضطراب الهلع (Panic Disorder)
إنه الشعور بالخوف المفاجئ والشديد الذي يؤدي إلى الإصابة بنوبة هلع (Panic Attack).
إذ يُصاب الشخص في اضطراب القلق والهلع بنوبات متكررة وغير متوقعة، وربما تنطوي على مشاعر سلبية من الهلاك الوشيك.
اضطراب القلق الاجتماعي أو الرُّهاب الاجتماعي (Social Anxiety Disorder)
يحدث هذا النوع في أثناء المواقف الاجتماعية اليومية، عندما يشعر الشخص بالقلق الشديد حيال آراء الآخرين فيه أو خشية التعرض للسخرية والإحراج.
الرُّهاب المحدد (Specific Phobias)
ينجم عن الشعور بخوف شديد من شيء أو موقف معين، مثل: المرتفعات أو الطيران.
إذ يتجاوز الخوف ما يناسب الحدث؛ مما يدفع الشخص لتجنب المواقف العادية أحيانًا.
رهاب الخلاء (Agoraphobia)
هو الخوف من الوجود في مكان ربما يصعب الهروب منه، أو الحصول على مساعدة في الحالات الطارئة.
إذ ربما يصيب الذعر الشخص عند ركوب المواصلات العامة، أو الوجود في أماكن مفتوحة.
قلق الانفصال (Separation Anxiety)
لا يقتصر هذا الشعور على الأطفال الصغار فقط عندما يغادر أحد أفراد أسرته، لكن يمكن لأي شخص الإصابة بقلق الانفصال.
ربما يشعر الشخص بقلق دائم مثلًا خشية حدوث أي مكروه لمن يحب.
الخرَس الانتقائي (Selective mutism)
يمثل الخرس الانتقائي نوعًا من القلق الاجتماعي، ولا يتحدث الأطفال الصغار فيه بصورة طبيعية مع أسرهم في الأماكن العامة مثل المدرسة، رغم عدم معاناتهم أية مشكلات في الكلام.
اضطراب الوسواس القهري (Obsessive-Compulsive Disorder)
هو تكرار الأفكار غير المنطقية التي تقود الشخص إلى تكرار سلوكات محددة.
اضطراب القلق الناجم عن الأدوية (Medication-Induced Anxiety Disorder)
يمكن أن يؤدي استخدام بعض الأدوية غير المشروعة أو الانسحاب من أدوية أخرى إلى ظهور بعض أعراض اضطراب القلق.
أسباب اضطرابات القلق النفسية
ليس من المعروف السبب الدقيق لحدوث القلق، لكن يُحتمل أن تلعب عدة عوامل دورًا في ذلك، ومنها ما يأتي:
- العوامل الوراثية.
- اضطراب في كيمياء المخ.
- الضغوط البيئية، مثل: وفاة أحد الأحباء أو التعرض للهجوم أو العنف.
- سحب المخدرات أو سوء استخدامها.
- بعض الحالات الطبية، مثل: أمراض القلب والرئة والغدة الدرقية؛ إذ تُسبب أعراضًا مشابهة لأعراض اضطرابات القلق أو ربما تزيدها سوءًا.
عوامل الخطر لاضطراب القلق
يمكن السيطرة على بعض عوامل الخطر، بينما لا يمكن السيطرة على بعضها الآخر، ونذكر منها:
- تاريخ من اضطرابات الصحة العقلية مثل الاكتئاب.
- الاعتداء الجسدي أو العاطفي في مرحلة الطفولة.
- الصدمة.
- أحداث الحياة السلبية، مثل: فقدان أحد الوالدين.
- الإصابة بمرض خطير أو مزمن.
- تعاطي المخدرات.
- تدني تقدير الذات.
تشخيص اضطراب القلق
بدايةً، يسأل الطبيب عن التاريخ المرضي للمريض، وربما يُجري عدة اختبارات لاستبعاد الحالات الصحية الأخرى.
يأخذ الطبيب مدة ظهور الأعراض ومدى شدتها بعين الاعتبار، لكن لا يمكن تشخيص اضطراب القلق باستخدام الاختبارات المعملية.
لذا ينبغي للشخص أن يخبر الطبيب عن كل ما يعانيه؛ إذ يعتمد التشخيص على وصف تلك الأعراض.
كذلك من المعايير الهامة التي تسهُم في التشخيص الصحيح، ظهور ستة أعراض من السابق ذكرها مع استمراريتها مدة تزيد عن 6 أشهر.
علاج اضطرابات القلق
تتعدد العلاجات المُستخدمة في الحد من أعراض القلق، لكن يجب استشارة الطبيب أو الصيدلي قبل تناول أي أدوية غير موصوفة، أو العلاجات العشبية.
تشمل العلاجات ما يلي:
الأدوية المضادة للقلق
لا تعالج الأدوية القلق، لكن تساهم في تحسين الأعراض، مثل:
مضادات الاكتئاب
يصف مقدم الرعاية تلك الأدوية، ومع تحسن الحالة يقلل تناولها تدريجيًّا، ومنها:
- مثبطات استرداد السيروتونين الانتقائية (SSRIs)، مثل: إسيتالوبرام (Escitalopram).
- مثبطات استرداد السيروتونين والنورإبينفرين (SNRIs)، مثل: دولوكستين (Duloxetine).
- بوبروبيون (Bupropion)، ويُستخدم لعلاج القلق المزمن.
مضادات الاكتئاب الأخرى
تشمل المواد ثلاثية الحلقات ومثبطات الأوكسيداز أحادي الأمين (MAOIs)، لكنها أقل شيوعًا نظرًا لآثارها الجانبية التي ربما تكون مزعجةً، ومنها:
- انخفاض ضغط الدم.
- جفاف الفم.
- احتباس البول.
البنزوديازيبينات (Benzodiazepines)
تُعد إضافة إلى علاج اضطراب القلق، ولا يجب تناولها مدة طويلة، مثل: ألبرازولام (Alprazolam).
حاصرات مستقبلات بيتا (Beta-Blockers)
تُستخدم لتحسين بعض الأعراض، مثل: تزايد ضربات القلب، أو ربما تساعد على الاسترخاء في أثناء نوبة قلق حادة.
مضادات الاختلاج (Anticonvulsants)
تُستخدم في الوقاية من النوبات لدى الأشخاص المصابين بالصرع، ويمكن استخدامها لعلاج القلق لأي شخص أيضًا.
مضادات الذهان (Antipsychotics)
يمكن إضافة جرعة منخفضة منها؛ إذ تساعد على تحسين كفاءة الأدوية الأخرى.
بوسبيرون (Buspirone)
يظهر تأثيره بعد تناوله عدة أسابيع.
العلاج النفسي
يمَكِّن العلاج النفسي الشخص من معرفة تأثير عواطفه في سلوكاته، ويسمى أحيانًا “العلاج بالكلام”.
يساعد مقدم الرعاية الشخص على فهم الاضطراب، ومن ثمّ إدارته بصورة أفضل.
العلاج السلوكي المعرفي (CBT)
يُعد أكثر أنواع العلاج النفسي شيوعًا؛ إذ يستند إلى تعلُّم أنماط التفكير والسلوكات المتسببة في المشاعر المزعجة وكيفية تغييرها.
يرتكز العلاج على كيفية التعامل مع المخاوف الكامنة وراء اضطراب القلق، والحث على المشاركة في الأنشطة المختلفة.
إدارة أعراض اضطرابات القلق
تساعد تلك النصائح على الحد من الأعراض أو تقليلها، ونذكر منها:
- تقليل الأطعمة والمشروبات التي تحتوي على الكافيين.
- تجنّب تناول الكحول والمخدرات، والإقلاع عن التدخين أيضًا.
- تناول الطعام الصحي.
- ممارسة الرياضة.
- ربما يساعد تدوين الأفكار يوميًّا على الاسترخاء.
- ممارسة التفكير الإيجابي.
- طلب الدعم، والحديث مع الأصدقاء أو المقربين عند الحاجة.
القولون العصبي واضطرابات القلق
تتمثل العلاقة بين القولون العصبي والقلق في التحكم الجزئي للجهاز العصبي في القولون.
إذ يعاني نحو 50% إلى 90% من مرضى القولون العصبي اضطراب القلق والاكتئاب.
اضطرابات القلق والاكتئاب
ربما يكون القلق عرضًا للاكتئاب الشديد والعكس صحيح كذلك، ويرتبط علاج كلتا الحالتين بعديد من العلاجات، مثل: العلاج النفسي والأدوية وتغيير نمط الحياة.
هل تعالج الأطعمة اضطرابات القلق؟
تشير بعض البحوث إلى وجود تأثير مفيد لبعض الأطعمة في الصحة العقلية، ومنها:
- سمك السالمون.
- البابونج.
- الكركم.
- الشوكولاتة الداكنة.
- الشاي الأخضر.
أخيرًا، أهمس في أذنك -عزيزي القارئ- أنه ربما يكون العيش مع القلق والخوف المستمرين أمرًا صعبًا، لكن يُعد التحدث مع الطبيب الخطوة الأولى نحو العلاج من اضطرابات القلق.
دمتم بكل خير وسلام نفسيّ!