هل أصبحت غير قادر على ترك الهاتف الجوال؟ هل أحسست بالرهبة نتيجة وجودك في مكانٍ خالٍ من شبكات الهاتف المحمول؟! إذا كان الأمر كذلك فقد تكون مصابًا باضطراب نوموفوبيا.
أوضحت مؤشرات جوجل ازدياد البحث عن “إدمان الهاتف المحمول” على مدار الخمس سنوات الماضية.
كذلك أفادت الأبحاث أن 33% من المراهقين البالغين 13 عامًا لا يغلقون هواتفهم مطلقًا ليلاً أو نهارًا!
هل أصبحنا أشباحًا مسلوبي الإرادة أم ما زلنا نملك زمام التحكم؟!
تابعوا معي هذا المقال لنتعرف إلى أسباب مرض عصر التكنولوجيا وكيفية التحكم فيه.
متلازمة إدمان الجوال
أدى الاستخدام المَرضي للهاتف إلى ظهور مجموعة من المصطلحات الجديدة، مثل:
- اضطراب نوموفوبيا (Nomophobia): الخوف من الانفصال عن الهاتف المحمول.
- تكستفرينيا (Textaphrenia): الخوف من عدم إرسال أو استقبال الرسائل النصية.
- الاهتزازات الوهمية (Phantom Vibrations): الشعور الوهمي بإصدار الهاتف للتنبيهات.
إذ يفرز المخ الدوبامين -المسؤول عن الشعور بالسعادة- نتيجة الحصول على تعزيزات اجتماعية إيجابية من تطبيقات الهاتف، الأمر الذي يؤدي إلى تكرار العودة إلى هذه التطبيقات.
بينت الدراسات أن المراهقين هم الفئة العمرية الأكثر عرضةً لهذا الاضطراب.
بالإضافة لذلك، أشارت إلى ازدياد المخاطر كلما بدأ المراهق في استخدام الهاتف مبكرًا.
الآن، دعونا نتحدث عن رهاب الانفصال عن الجوال وأعراضه!
ما اضطراب نوموفوبيا؟
يُعد الرُهاب (Phobia) نوعًا من اضطرابات القلق، التي تتميز بالخوف غير المنطقي من شيء أو موقف.
في حالتنا هذه، يكون الخوف نتيجة الانفصال عن الهاتف أو فقدان الاتصال بالشبكة.
أعراض مرض نوموفوبيا
لا يُشخص هذا الرهاب سريريًا، لكن تشمل أعراض اضطراب النوموفوبيا ما يلي:
- عدم القدرة على إغلاق الهاتف، وفحصه باستمرار بحثًا عن الرسائل والإيميلات والمكالمات الفائتة.
- شحن البطارية حتى عندما يكون الهاتف مشحونًا بالكامل.
- اصطحاب الهاتف لأي مكان حتى في الحمام!
- التحقق المتكرر من وجود الهاتف.
- الخوف من عدم الاتصال بالشبكات.
- القلق من حدوث مشكلة وعدم إتاحة الاتصال لطلب المساعدة.
- التغيب عن الأنشطة أن المناسبات المقررة من أجل قضاء أكبر وقت على الهاتف.
- صعوبة إكمال مهام العمل أو الدراسة نتيجة الانشغال الدائم بالهاتف.
ربما يعاني بعض الأشخاص أعراضًا جسدية بالإضافة لهذه الأعراض النفسية والذهنية.
فقد يرتفع معدل نبضات القلب لديهم ويتنفسون بسرعة، وربما يتعرقون بشدة ويرتجفون.
قد يشعرون أيضًا بالضعف أو الدوار في الحالات الشديدة، ويمكن أن تتفاقم أعراض الخوف إلى الإصابة بنوبة هلع.
كذلك ذكرت الدراسات ارتباط الاستخدام المتكرر للهاتف بالإصابة بالاكتئاب وتفاقم الشعور بعدم الرضا عن الحياة.
أعراض انسحاب النوموفوبيا
تتضمن العلامات التحذيرية الناتجة عن تقليل استخدام الهاتف لدى من يعانون ذلك الإدمان أعراض الانسحاب، منها:
- القلق والاضطراب.
- الغضب أو الانفعال.
- صعوبة التركيز.
- مشكلات في النوم.
- الرغبة الشديدة في الاتصال بالهاتف أو الأجهزة الأخرى.
لكن ما تفسير حدوث هذه الأعراض؟ إليكم الأسباب.
أسباب رهاب فقدان الهاتف المحمول
لم يكتشف الخبراء سببًا محددًا لرهاب النوموفوبيا، لكنهم يعتقدون مساهمة عدة عوامل منها:
الخوف من العزلة
يتسبب هذا الخوف في تطور الرهاب؛ إذا كان الهاتف هو الوسيلة الوحيدة للتواصل مع من تهتم لأمرهم وسيتسبب فقدانه في شعورك بالوحدة.
لذلك يُجبر الخوف من الشعور بالوحدة على إبقاء هاتفك قريبًا في جميع الأوقات.
المرور بمشكلة بسبب فقدان الهاتف مُسبقًا
يتسبب ذلك في الخوف من تكرار نفس المشكلة ومن ثم الارتباط الزائد بالهاتف.
إصابة أحد أفراد الأسرة بالرهاب
يزداد خطر الإصابة باضطراب نوموفوبيا في حال إصابة أحد المقربين بالرهاب أو أي نوع من القلق.
الإصابة بالقلق المزمن
يؤدي لزيادة احتمالية الإصابة بالفوبيا.
الاستخدام المتعدد للهواتف
تُستخدم الهواتف في الاتصالات والدراسة وإدارة الأعمال والأموال وغيرها من الاستخدامات؛ مما يُسبب الخوف من فقدانها.
الإلمام بالتقدم التكنولوجي
بسبب الخبرة المبكرة لفئة المراهقين في الإنترنت والهواتف وأجهزة الكمبيوتر نتيجة نشأتهم في عصر التكنولوجيا الرقمية؛ غالبًا ما تكون هذه الأجهزة جزءًا لا يتجزأ من الحياة اليومية.
تشخيص النوموفوبيا
لا يعني استخدام الهاتف المتكرر أو القلق من فقدانه الإصابة برهاب فقدان الهاتف المحمول في كل الحالات.
لكن يُستحسن التحدث مع الاختصاصي إذا عانيت الأعراض مدة ستة أشهر أو أكثر، خاصةً إذا كانت هذه الأعراض:
- متكررة ومستمرة طوال اليوم.
- تؤثر سلبًا في العمل أو العلاقات.
- تُصعب الحصول على قسط كافٍ من النوم.
- تُصعب ممارسة الأنشطة اليومية المُعتادة.
- تؤثر سلبًا في الصحة والحياة عمومًا.
إذا كنت تتساءل عن اختبار النوموفوبيا، فلا يوجد تشخيص رسمي لأعراض هذا الاضطراب حتى الآن.
لكن يمكن لاختصاصي الصحة العقلية المُدرَبين التعرف إلى علامات الرهاب والقلق، والمساعدة على تعلم كيفية التعامل مع الأعراض بفاعلية للتغلب على آثارها.
كذلك طور الباحثون استبيانًا لتقييم أعراض اضطراب النوموفوبيا، وتشير الدراسات إلى نجاح الاستبيان في الكشف عن النوموفوبيا.
إذ يطلب الاستبيان من المشاركين تقييم مدى موافقتهم أو عدمها على عبارات، مثل:
- “سأشعر بالضيق إذا لم أطلع باستمرار على هاتفي”.
- “سيقلقني نفاد بطارية هاتفي”.
- “سأشعر بالقلق إذا لم أكن متصلًا باستمرار مع عائلتي أو أصدقائي”.
كذلك بينت إحدى الدراسات أن المستويات الأعلى من الاضطراب وفقًا لمقياس النوموفوبيا تتوافق مع مستويات أعلى من الهوس.
مما يشير إلى احتمالية وجود نسبة مرتفعة من الاعتلالات المشتركة بين نوموفوبيا وبعض الاضطرابات الأخرى.
على سبيل المثال، أشارت بعض الأبحاث إلى احتمالية إصابة الأشخاص الذين يعانون اضطرابات القلق والهلع بالنوموفوبيا.
علاج اضطراب نوموفوبيا
عليك -عزيزي القارئ- استشارة اختصاصي الصحة النفسية إذا تسببت علامات النوموفوبيا في مشكلات بحياتك.
قد يوصي الاختصاصي بالعلاج بالتعرض أو العلاج السلوكي المعرفي أو كليهما لمعالجة الأعراض، على الرغم من عدم وجود علاج محدد للنوموفوبيا.
ربما يصف الطبيب كذلك الأدوية المعالجة لأعراض القلق أو الاكتئاب التي قد تصاحب هذا الاضطراب.
العلاج بالتعرض
يُعد أسلوبًا سلوكيًا لتعلم مواجهة المخاوف تدريجيًا، ففي حالتنا هذه يتعود الشخص تدريجيًا على الانفصال عن الهاتف.
على سبيل المثال، يمكن ترك الهاتف في غرفة أخرى لوقت معين، ثم زيادة الوقت تدريجيًا وغلقه في أثناء الانشغال.
العلاج السلوكي المعرفي (CBT)
يتضمن التحدث مع الاختصاصي لمعالجة التفكير السلبي غير العقلاني، من خلال المساعدة على تحديده واستبداله بأفكار أكثر واقعية وعقلانية.
وصف الأدوية
قد يصف الطبيب النفسي الأدوية المضادة للقلق أو مضادات الاكتئاب لمعالجة بعض الأعراض، على الرغم من عدم وجود دواء معتمد من هيئة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) لعلاج النوموفوبيا.
غالبًا ما يصف مثبطات استرداد السيروتونين الانتقائية (SSRI) علاجات أولية للقلق والاكتئاب، مثل:
- إسيتالوبرام (Escitalopram).
- سيرترالين (Sertraline).
- باروكسيتين (Paroxetine).
التصدي لاضطراب نوموفوبيا
إذا كنت تقضي مدة طويلة على هاتفك، فيمكنك اتباع بعض الأساليب لتقنين استخدامه، مثل:
- وضع قواعد لاستخدام الهاتف، بتجنب استخدامه في أثناء تناول الطعام أو ما قبل النوم.
- التركيز على مقابلة الأشخاص بدلًا من الاتصال بالهاتف.
- البحث عن وسائل أخرى لاستغلال الوقت إذا كان استخدام الهاتف بدافع الملل، مثل: قراءة الكتب أو التنزه أو ممارسة الرياضة.
ختامًا، لم يُصنف اضطراب نوموفوبيا رسميًا حتى الآن على أنه اضطراب عقلي، لكن الخبراء متفقون على تزايد مشكلات عصر التكنولوجيا التي يمكن أن تؤثر في الصحة العقلية.
نعلم جميعًا أن سحب الأجهزة الإلكترونية من الأطفال قد يأتي بنتائج عكسية، ويتسبب في ظهور أعراض الانسحاب.
لكن بدلًا من ذلك، كن قدوة جيدة لهم وقنن استخدامك لهذه الأجهزة.
كذلك يمكنك تحديد أماكن المنزل المسموح فيها باستخدام الأجهزة، وتشجيعهم على ممارسة الأنشطة والهوايات.