هل بحثت من قبل -عزيزي القارئ- عن علاج متلازمة ستندال أو سمعت اسم ستندال من قبل؟
هل زرت مدينة فلورنسا وتأملت الجمال المبهر للأعمال الفنية الموجودة بها؟
لكن ماذا لو بلغ الإعجاب بالجمال حد الإصابة بأعراض نفس جسمية قد تصل إلى الهلع وصعوبة التقاط الأنفاس، بل ربما حد الهلوسة والجنون؟
إنها متلازمة ستندال، التي تعد بمثابة معنى لعبارة “أكاد أذوب من فرط الجمال”.
هيا بنا نخوض مغامرة شيقة في السطور القادمة نتعرف خلالها إلى علاج متلازمة ستندال وأسبابها، ولنبدأ بتعريف متلازمة ستندال.
ما متلازمة ستندال؟
تعد متلازمة ستندال (Stendhal Syndrome) إحدى اضطرابات النفس جسدية غير الاعتيادية.
إذ تصيب المتلازمة المسافرين السياح عادةً؛ نتيجة إعجابهم الشديد بالجمال المفرط وليس الجمال الاعتيادي، مثل:
- الأعمال الفنية الجميلة، مثل: لوحات في معرض فني.
- الجمال المميز في الكون، مثل: منظر غروب الشمس الجميل.
إذ يتسبب ذلك في إصابتهم بشعور مضطرب قد يصل إلى نوبات الهلع أو الجنون، كذلك ارتبطت المتلازمة بمدينة فلورنسا الإيطالية.
سبب تسمية متلازمة ستندال
تعود تسمية ستندال إلى الكاتب الفرنسي “ماري هنري بيل”، والمعروف باسمه المستعار “ستندال” (Stendhal).
عندما زار الكاتب الفرنسي “ستندال” كنيسة “سانتا كروتشي” في متحف أوفيزي الإيطالي بمدينة فلورنسا عام 1817؛ انتابته مجموعة من المشاعر المضطربة والغريبة.
أُطلق على تلك الاضطرابات في المشاعر فيما بعد “متلازمة ستندال” نسبةً إليه.
لقد كان “ستندال” شديد الانبهار باللوحات الجدارية فائقة الجمال التي تملأ سقف الكنيسة؛ حتى أنه شعر بالقلق وزيادة خفقان قلبه وارتجاف ساقيه.
كذلك شعر الكاتب برهبة دينية عانقت روحه حينما زار الأضرحة الموجودة داخل الكنيسة، التي تضم ثلاثة من أبرز أفراد العهد البريطاني.
روى الكاتب تجربته الفريدة والعجيبة في كتابه “نابولي وفلورنسا: رحلة من ميلانو إلى ريجيو”.
توالت بعد ذلك حالات مماثلة عانت أعراض متلازمة فلورنسا، لا سيّما عند زيارة متحف أوفيزي الشهير في فلورنسا.
لذلك عُرفت المتلازمة أيضًا باسم “متلازمة فلورنسا” ( Florence Syndrome).
انطلاق اسم متلازمة ستندال
لاحظت الطبيبة النفسية الإيطالية “غرازيلا ماغريني” -التي كانت تعمل في مستشفى سانتا ماريا نوفا- ظهور أعراض مماثلة لتجربة الكاتب ستندال على بعض السياح الزائرين فلورنسا عام 1979.
إذ تراوحت الأعراض ما بين نوبات الذعر المؤقت والهلوسة إلى نوبات الذهان، واستمرت نحو يومين إلى ثلاثة أيام.
من هنا، وصفت الطبيبة تلك الأعراض في كتابها عام 1989، وأطلقت عليها اسم “متلازمة ستندال”.
كذلك وثقت ماغريني نحو 106 حالة -جميعهم من السياح- في مستشفيات فلورنسا ما بين عامي 1977 و1989.
ذلك عندما شاهدوا الأعمال الفنية الاستثنائية الجميلة، مثل: منحوتات مايكل أنجلو ولوحات بوتيتشيلي، التي تسببت في إصابتهم بأعراض متلازمة فلورنسا.
أعراض متلازمة ستندال
يعاني المصابون مجموعة كبيرة من أعراض متلازمة الجمال وتتفاوت من شخصٍ إلى آخر، وتشمل:
- القلق.
- زيادة سرعة ضربات القلب.
- الدوار الشديد.
- نوبات الهلع و/ أو الإغماء.
- التشوش.
- الشعور بعدم الاتزان.
- الغثيان.
- التعرق.
- الاضطرابات الانشقاقية (Dissociative Episode).
- فقدان الذاكرة المؤقت.
- جنون العظمة أو جنون الارتياب (Paranoia).
- الهلوسة والجنون المؤقت (في الحالات القصوى).
أسباب متلازمة ستندال وعوامل الخطر
ربما ترتبط متلازمة ستندال بالنشوة من مجرد فكرة الوجود في فلورنسا تحديدًا؛ إذ تحف فلورنسا مجموعة مبهرة من الأعمال الفنية المصاحبة لعصر النهضة بإيطاليا.
لذلك غالبًا ما ترتبط الإصابة بالمتلازمة بالسياح الزائرين للمدينة.
كذلك ربما يلعب الإعلام دورًا في إضفاء المصداقية على هذه النظرية؛ إذ يصف بعض الصحفيين -المولعين بالعاطفة والرومانسية- أولئك المصابين بأنهم مرضى بالفن.
لذلك نخلص إلى مسببات متلازمة ستندال وعوامل الخطر فيما يأتي:
- الأشخاص مفرطو الحساسية؛ إذ يكون لديهم استعداد عال للتأثر بالأعمال الفنية ذات الجمال الفائق أكثر من غيرهم، مثلما أوضحت الطبيبة ماغريني.
- التاريخ العائلي للمصابين.
- من عانوا سابقًا اضطرابات نفسية.
- الأشخاص شديدو التأمل في الأعمال الفنية مع وجود قابلية لديهم للإصابة بالاضطراب العقلي.
- من يعانون اضطراب الرحلات الجوية الطويلة (Jet Lag).
فئات متلازمة ستندال
تشير الطبيبة ماغريني إلى أن المصابين عادةً ما يكونون غير متزوجين وتتراوح أعمارهم ما بين 26 و40 عامًا.
كذلك حددت ماغريني ثلاثة أنواع رئيسة للأعراض التي عاناها السياح الذين أصيبوا بمتلازمة ستندال:
الفئة الأولى
تعاني غالبًا أعراض ذهانية مع تغير في إدراك الأصوات أو الألوان وشعور متزايد بالقلق أو الذنب.
كذلك يحمل نحو 38% منهم تاريخ عائلي سابق للإصابة باضطرابات نفسية.
الفئة الثانية
تعاني هذه الفئة أعراضًا عاطفيةً غالبًا، منها: الشعور بالقلق والاكتئاب ويصحبه شعورًا بالعجز، أو ربما على النقيض قد يشعر المصاب بالنشوة وأن قدرته صارت مطلقة.
ذلك مع وجود تاريخ نفسي سابق لنحو 53% من أفراد هذه الفئة.
الفئة الثالثة
تكون الأعراض الواضحة لهذه الفئة أعراضًا جسدية، مثل: نوبات الهلع، كذلك أعراض فسيولوجية ناجمةً عن تزايد الشعور بالقلق، مثل: ألم الصدر.
مسميات أخرى لمتلازمة ستندال
تعددت الأسماء الأخرى لمتلازمة ستندال، ومنها:
- متلازمة فلورنسا ( Florence Syndrome).
- متلازمة الجمال (Aesthetic Syndrome).
- الجمال المفرط (Cultural Overload).
- مرض أو اضطراب حب الفن (Art Disease).
- متلازمة المسافر (Traveler’ s Syndrome)
تشخيص متلازمة ستندال
يفيد الطبيب سمير زكي -متخصص في علم التجميل العصبي- بوجود نشاط متزايد في مناطق معينة في المخ -لا سيّما منطقة وسط القشرة الجبهية الحجاجية- لدى الأشخاص الذين يستمتعون بالأعمال الفنية.
لذلك يؤدي فرط نشاط تلك المناطق من المخ إلى تعرض الأشخاص بصورة أكبر إلى مشكلات الصحة العقلية، مثلما يحدث في متلازمة ستندال.
علاج متلازمة ستندال
لا يُفترض أن تحتاج الحالات التي تصاب بأعراض بسيطة إلى التدخل الطبي.
كذلك عادةً ما يتعافى المرضى تمامًا بعد أخذ قسط من الراحة عدة أيام أو الأفضل مغادرة المكان واستئناف حياتهم الطبيعية.
بينما يشعر بعض المصابين بأعراض خطرة تتطلب علاج متلازمة ستندال وأعراضها في المستشفى وربما تناول مضادات الاكتئاب.
هل متلازمة ستندال هي اضطراب حقيقي؟
تصف الطبيبة ماغريني المتلازمة بأنها ظاهرة حقيقية وفريدة من نوعها.
إلا إنه ما زال عدد الحالات المنشورة في المؤلفات الأكاديمية عن الإصابة بمتلازمة ستندال قليل.
كذلك وثقها الأطباء النفسيون في عدة مجلات طبية زاعمين ظهور حالات من متلازمة ستندال.
لكن لم تثبت المتلازمة إلى الآن في الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية الصادر عن جمعية الطب النفسي الأمريكية.
أشهر حالات أصيبت بمتلازمة ستندال
رغم وجود عديد من الحالات البسيطة التي لا تحتاج إلى تدخل طبي.
لكن لا عجب أن الإصابة بالمتلازمة قد يدفع المصاب أحيانًا إلى الخضوع إلى علاج متلازمة ستندال.
نذكر من تلك الحالات:
الروائي الروسي دوستويفسكي
نشر إيدسون أمانسيو -جراح الأعصاب البرازيلي- عام 2005 ورقة بحثية تدل على إصابة دوستويفسكي بمتلازمة ستندال.
ذلك خلال زيارته لمتحف بازل ومشاهدة تحفة هانز هولباين.
سيجموند فرويد
أشار أحد علماء النفس إلى تعرض فرويد إلى تجارب توحي بإصابته بالمتلازمة.
حالة تطلبت علاج متلازمة ستندال طبيًا
من أبرز الحالات التي أصيبت بالمتلازمة تعرض رجل يبلغ من العمر 68 عامًا إلى نوبة قلبية عام 2018.
ذلك على إثر مشاهدته اللوحة الشهيرة “مولد فينوس” للفنان بوتيتشيلي المحفوظة في متحف أوفيزي في مدينة فلورنسا.
خضع هذا الرجل إلى علاج طبي لمواجهة نوبته القلبية.
عقب مدير أوفيزي “إيك شميدت” على الحادثة قائًلا: “إنها ليست المرة الأولى التي يصاب فيها الأشخاص بالمرض في أوفيزي، لا سيّما عند مشاهدة الأعمال العظيمة، مثل: أعمال بوتيتشيلي وكارافاجيو ميدوسا”.
متلازمة ستندال والظواهر الأخرى المتعلقة بالسفر
لاحظ الباحثون ظهور أعراض مماثلة لمتلازمة ستندال عند السياح المسافرين إلى باريس أو القدس مثلًا.
إذ ظهرت متلازمات أخرى، لكن لم تُدْرج في الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية مثلهم مثل متلازمة ستندال، ونذكر منها:
متلازمة باريس
تنشأ متلازمة باريس (Paris Syndrome) نتيجة الاختلاف بين توقعات الزائرين العالية عن مدينة باريس وتصورهم أنها مثالية الجمال وبين الواقع.
يتسبب هذا التوقع البالغ في خضوع بعض المرضى للعلاج، بينما يعاني جزء منهم الانتكاسات وربما تصل إلى الذهان.
رغم ذلك قد تتحسن حالة بعض المرضى على الفور.
متلازمة القدس
تشير متلازمة القدس (Jerusalem Syndrome) إلى التأثير الديني الذي يحدث للسياح عند زيارتهم للأماكن المقدسة الموجودة في القدس ومحيطها.
إذ يرجع الأطباء سبب ذلك إلى معاناة المصابين اضطرابات الشخصية الحدية أو نوبات ذهانية.
متلازمة الهند
تعد متلازمة الهند (India Syndrome) نوعًا من الذهان يصيب الأشخاص من أوروبا المتقدمة أو الدول الغربية الأخرى، في أثناء رحلتهم إلى بلد معروف بالحفاظ على ثقافته وتراثه، مثل: الهند.
في النهاية، نتمنى أن تكون دُهشت معنا -عزيزي القارئ- بعلاج متلازمة ستندال وأسبابها وأعراضها.
لكن احذر أن تبلغ دهشتك حد الإصابة بمتلازمة ستندال أو غيرها من المتلازمات النفس جسدية!