عسر القراءة عند الأطفال خلل عضوي؛ إذ يعاني فيه الطفل اضطرابًا في القدرة على التعلم، كذلك يؤثر في الأطفال والبالغين مع اختلاف أعراضه وشدته مع تقدم العمر.
كذلك يعاني هؤلاء الأطفال صعوبة في تقسيم الكلمات إلى أصوات بسيطة، ويواجهون مشكلات في فهم كيفية ارتباط الأصوات بالحروف والكلمات؛ مما يعوق قدرتهم على القراءة والتعرف إلى الحروف.
كل ذلك أدى إلى معاناة كثير من الأطفال سوء المعاملة والاتهامات من قبل المعلمين والآباء على حد سواء، لضعف مستواهم الأكاديمي أو عدم قدرتهم على القراءة أو عجزهم عن مواكبة زملائهم الدراسيين.
أسباب عسر القراءة عند الأطفال
يُعرف عسر القراءة علميًا بالديسلكسيا (Dyslexia)، وقد قدّر الباحثون أنه يصيب ما يصل إلى 15-20% من السكان.
على الرغم من عدم اكتشاف العلماء أسباب عسر القراءة عند الأطفال إلى الآن، لكنهم يظنون أن هناك اختلافات بيولوجية عصبية لدى هؤلاء الأطفال.
تُعد تلك الاختلافات مسؤولةً عن ذلك التفاوت بين الأطفال في قدرتهم على القراءة.
وجدت دراسات أخرى أن (الجسم الثفني) -حزمة من الألياف العصبية تربط بين نصفي الدماغ- قد يكون مختلفًا بين الأطفال المصابين بعُسر القراءة.
كذلك قد تختلف أجزاء من النصف المخي الأيسر لدى هؤلاء الأطفال، ومع ذلك لا يتضح ما إذا كانت هذه الاختلافات تسبب عسر القراءة أم لا!
كذلك حدد الباحثون عدة جينات مرتبطة بهذه الاختلافات الدماغية؛ مما ينوه عن وجود عوامل وراثية في عسر القراءة للأطفال.
ينبثق عن تلك الصفات البيولوجية ظروفًا بيئية تسهم في احتدام عسر القراءة للطفل.
فالأبوان اللذان يعانيان عسرًا في القراءة لا يستطيعان الاهتمام بقراءة الطفل وتشجيعه ومتابعته؛ مما يتسبب في ازدياد أزمة الطفل.
أعراض عسر القراءة عند الأطفال
غالبًا ما تكتشف الإصابة في مرحلة الطفولة المبكرة، عندما تظهر صعوبات القراءة في بداية المراحل التعليمية للطفل.
عامةً، تنقسم الأعراض إلى مرحلتين ما قبل التعليم المدرسي وما بعده.
مرحلة رياض الأطفال
تظهر العلامات الأولى لعسر القراءة عند الأطفال ما بين عام إلى عامين، عندما يتعلم الأطفال إصدار الأصوات أول مرة.
إذ لا ينطق الأطفال كلماتهم الأولى حتى عمر 15 شهرًا، أو عباراتهم الأولى حتى عمر عامين؛ فحينها ربما يكونون أكثر عرضة للإصابة بعُسر القراءة.
يجب التنويه بأنه ليس شرطًا أن يعاني عسر القراءة الأشخاص الذين يتأخرون في الكلام.
إذ لا يعاني جميع الأشخاص المصابين بعُسر القراءة تأخرًا في الكلام في طفولتهم، فتأخر الكلام مجرد إشارة للوالدين للاهتمام بتطور اللغة.
يجب أيضًا الانتباه للأطفال المولودين في عائلات لها تاريخ من صعوبات القراءة؛ إذ تلعب الوراثة دورًا ملحوظًا في تلك الحالة.
تتضمن العلامات التحذيرية لعسر القراءة قبل سن 5 سنوات عدة أمثلة، ومنها ما يأتي:
- صعوبة تعلم أو تذكر أسماء الحروف الأبجدية.
- صعوبة تعلم كلمات أغاني الأطفال الشائعة.
- عدم القدرة على التعرف إلى الحروف.
- النطق الخاطئ للكلمات المألوفة.
أما في سن 5 أو 6 سنوات -عندما يبدأ الأطفال في تعلم القراءة والكتابة- تصبح أعراض عسر القراءة أكثر وضوحًا، ومنها:
- عدم فهم أن الكلمات تنقسم إلى أصوات.
- ارتكاب أخطاء في القراءة غير مرتبطة بأصوات الحروف على الصفحة.
- وجود تاريخ مرضي من الوالدين أو الأشقاء الذين يعانون مشكلات في القراءة.
- شكوى الطفل من صعوبة القراءة.
- رفض الذهاب إلى المدرسة.
- ظهور مشكلات التحدث والنطق.
- مواجهة مشكلة في نطق الكلمات الأساسية، مثل كلمة “قطة”.
- عدم ربط الحروف.
مرحلة التعليم المدرسي
تشمل علامات عسر القراءة في المدرسة الابتدائية والإعدادية ما يلي:
- أن يكون الطفل بطيئًا جدًا في تعلم القراءة، مع شعوره بالحرج.
- مواجهة صعوبة مع الكلمات الجديدة أو النطق بها.
- تجنب القراءة بصوت عالٍ.
- استخدام مفردات غامضة أو غير دقيقة.
- التردد في إيجاد الكلمات والإجابة عن الأسئلة.
- صعوبة قراءة الكلمات الطويلة أو غير المعروفة له.
- صعوبة تذكر التفاصيل، مثل الأسماء والتواريخ.
- الكتابة بخط فوضوي.
أنواع عسر القراءة عند الأطفال
ينقسم عسر القراءة عند الأطفال وفقًا للعوامل المؤثرة في الطفل إلى عدة أنواع:
عسر القراءة البيولوجي
يعد النوع الأكثر شيوعًا من أنواع عسر القراءة؛ إذ ينتج عن خلل وظيفي في الجانب الأيسر من الدماغ (القشرة المخية) ولا يتغير مع تقدم العمر.
جدير بالذكر أنه يلاحظ تباين في شدة الخلل للأفراد المصابين بهذا النوع من عسر القراءة.
إذ إن معظم الذين يتلقون تدخلًا تعليميًا مناسبًا يكونون ناجحين أكاديميًا طوال حياتهم، لكن تظل نسبة منهم تعاني مع القراءة والكتابة والتهجئة طوال حياتهم.
تنتقل جينات عسر القراءة البيولوجي وراثيًا أو من خلال طفرات جينية جديدة، وبنسبة أكبر في الذكور.
عسر القراءة الثانوي (النمائي)
ينتج هذا النوع من خلل في نمو الدماغ، في خلال المراحل المبكرة من نمو الجنين، لكن يتضاءل أثره مع النمو الطبيعي للطفل، ويعد أكثر شيوعًا عند الصبيان.
عسر القراءة التصادمي
يرتبط هذا النوع عادةً بالصدمات الدماغية أو إصابة منطقة الدماغ التي تتحكم في القراءة والكتابة، ونادرًا ما تكون في سن الطفولة.
عسر القراءة البصري
ينتج عن اضطراب في المعالجة البصرية، إذ لا يتمكن الدماغ من تفسير الإشارات البصرية بدقة.
عسر القراءة السمعي
ينتج عن اضطراب المعالجة السمعية للأصوات والكلمات في الدماغ.
عسر الكتابة
هنا يعاني الطفل صعوبة في إمساك القلم والتحكم فيه؛ مما يعوق الطفل في أثناء القراءة والكتابة معًا.
تشخيص عسر القراءة
على الرغم من أساسه البيولوجي، إلا إننا لا يمكننا تشخيص عسر القراءة بفحص دم بسيط أو حتى بإجراء فحص للدماغ.
إذ نحتاج إلى سلسلة من اختبارات القراءة جنبًا إلى جنب مع الأعراض التي تظهر على المريض.
نظرًا لصعوبة تشخيص عسر القراءة عند الأطفال، يجب تعاون كلًا من الطبيب والمعلم والآباء أيضًا لتشخيص الطفل، إذ لا يوجد حتى الآن اختبار عسر القراءة للأطفال موحد أو ثابت.
إن تشخيص عسر القراءة عند الطفل يتطلب الإحاطة بعدة عوامل.
مع الأخذ بعين الاعتبار أن يكون القسم الرئيس في التقييم هو التقييم التربوي، والاستعانة برأي الأبوين والمعلم أيضًا.
كذلك يشمل التقييم أيضًا اختبارات للعين والأذن وكفاءة النواقل والشبكات العصبية.
بالإضافة إلى ذلك، قد تتضمن أسئلة حول تاريخ العائلة في عسر القراءة والبيئة التعليمية المحيطة به.
فالأمر يستغرق وقتًا حتى يشخص الأطباء عسر القراءة، واستبعاد الأسباب المحتملة الأخرى لمشكلات القراءة عند الطفل.
علاج عسر القراءة عند الأطفال
طبقًا لدراسات أجريت عام 2014 لأبحاث عسر القراءة الحديثة، فإن تعليم الصوتيات يمكن أن يحسن القدرة على القراءة لدى الطلاب الذين يعانون عسر القراءة.
يعٌد تعليم الصوتيات مزيجًا من استراتيجيات القراءة بطلاقة والتدريب على الوعي الصوتي، الذي يتضمن دراسة الحروف والأصوات التي تربطها بها.
كذلك لاحظ الباحثون أن التدخل بالعلاج الصوتي يكون أكثر فاعلية عندما يقدَّم من متخصصين مدربين على صعوبات القراءة.
جدير بالذكر أنه كلما طالت مدة تلقي الطالب لهذه التدخلات، كانت النتائج أفضل.
تركز برامج التدخل المبكر عادةً على صوت الكلمات والمفردات واستراتيجيات القراءة؛ إذ تساعد الطفل على الربط بين شكل الحرف ونطقه.
كذلك يحتاج الطبيب مجموعة من الاختصاصيين لتحديد الحالة واستبعاد أي معوقات لقراءة الطفل، ومن أهم هؤلاء المختصون:
- طبيب نفسي للطفل.
- اختصاصي تخاطب.
- طبيب عيون.
- اختصاصي سمعيات.
- طبيب أعصاب.
من المهم أن يدرك الأبوان أن عسر القراءة للأطفال لا يمثل حاجزًا للنبوغ العلمي والأكاديمي.
إذ أكدت التجربة نبوغ كثير من الأطفال الذين عانوا عسر القراءة، فلا يحد عسر القراءة من أداء الطلاب الأكاديمي.
كذلك انتشرت قصص لناجحين يتعايشون مع عسر القراءة في عديد من المجالات، مثل:
العالمة “ماجي أديرين بوكوك”.
إذ حصلت ماجي على درجة الدكتوراه، فهي عالمة فضاء، ومهندسة ميكانيكية، ومؤلفة، ومضيفة ببرنامج إذاعي بمحطة بي بي سي.
على الرغم من ضرورة الكفاح في سنوات الدراسة المبكرة، فإنها لم تكن عائقًا أمام تطورها العلمي، والاستمرار في الحصول على أعلى الدرجات.
أنشطة لعلاج صعوبات القراءة
يتحتم على الأبوين اللجوء إلى طرق مبتكرة وغير مباشرة لتشجيع أطفالهم على القراءة، منها:
- منح الطفل الثقة بالنفس، وبما أن الأب والأم هم أهم حلفاء للطفل وأول داعميه، فعليهم تشجيعه وتدريبه بطرق فعالة ومختلفة، حتى يرى نفسه وقدراته بعينيهما.
- التدخل المبكر، واللجوء للمتخصصين.
- التحدث إلى الطفل عن نماذج النجاح مع الثناء عليه وعلى قدراته وإيجاد قدوة له.
- التذكير بأن عسر القراءة لا علاقة له بالذكاء.
- المشاركة في القراءة بصوت عالٍ.
- قراءة نفس الكتاب مرارًا وتكرارًا؛ فهذا يساعد الأطفال على ربط الحروف بالأصوات.
- الاحتفال بمختلف الأنشطة والنجاحات الصغيرة لرفع روح الطفل المعنوية.
- ممارسة هوايات واهتمامات منفصلة عن القراءة؛ حتى يتمكن الطفل من تحقيق النجاح.
ختامًا، يجب على الأبوين والمعلم تقدير قدرات الأطفال وتفهم اختلافهم، فعسر القراءة عند الأطفال خلل خارج عن إرادتهم.
لذا يجب علينا تقبله ثم التغلب عليه.
إذ يتمتع كل طفل بقدرات ومواهب دون غيره من الأطفال، لذا يجب علينا احتواء أطفالنا دون مقارنات هدامة، بل وحسن استغلال تلك الهبات.