“صغيرتي مصابة بالتهاب العظم والنقي!”
نزلت هذه الجملة على قلبي نزول الصاعقة، قبل أن تسمعها أذناي حتى.
قالتها لي صديقة عمري باكيةً، لم أستطع تهدئتها، بل لم أستطع تهدئة نفسي قبلها؛ للصغار دائمًا وضع خاص، فكل ما يتعلق بهم يمس قلوبنا مباشرةً.
ما أردت فعله في تلك اللحظة هو فك طلاسم هذا المسمى الغريب، ومعرفة ما يتعلق به من معلومات ربما أستطيع المساعدة.
ما هو التهاب العظم والنقي، وما أسبابه، وعلاجه وعلاماته أيضًا؟
تابع معي….
تعريف التهاب العظم والنقي (Osteomyelitis)
يُعد من الحالات المرضية النادرة، لكنها حالة تُنذر بالخطر؛ فهي عدوى تصيب العظام، والمنطقة الرخوة داخلها أو النقي (Bone Marrow)، ثُم ينتج عنها حدوث التهاب فيهما.
يؤدي الالتهاب إلى حدوث تورم، يضغط على الأوعية الدموية بالمنطقة المحيطة، قد يتطور لقطع الإمداد الدموي عن المنطقة المصابة ثم موت العظام والأنسجة بها.
أسباب التهاب العظم والنقي
أغلب الحالات تحدث نتيجة بكتريا المكورات العنقودية (staphylococcus).
تعد هذه البكتريا من أنواع الجراثيم الموجودة طبيعيًا فوق سطح الجلد، وداخل التجويف الأنفي أيضًا، كما توجد أيضًا في الأشخاص الأصحاء، لكن كيف تصل هذه البكتريا للعظام؟
طرق وصول البكتيريا للعظام
هناك عدة احتمالات، أو طرق مختلفة تصل بواسطتها البكتريا للعظام، كمجرى الدم، أو الإصابات، أو العمليات الجراحية المختلفة.
لنستعرضهم بشيء من التفصيل.
مجري الدم
معروف أن الدَّم يصل لكل مكان بالجسم؛ ليمده بالتغذية الضرورية له لبقاء خلاياه حية.
لكن للأسف قد ينقل معه أيضًا بكتريا مصاب بها منطقة أخرى بالجسم، لبقعة ضعيفة بالعظام مسببة حدوث التهاب بها.
على سبيل المثال:
قد يحمل الدم للعظام، البكتريا من الرئة في حال إصابتها بالتهاب رئوي أو ربما تصل البكتيريا للعظام من المثانة، في حال الإصابة بالتهاب المسالك البولية.
الإصابات
- في حال الإصابة بجروحٍ وخزيةٍ شديدةٍ، تتعرض العظام القريبة للتلوث، كما تفتح تلك الجروح العميقة مسارًا للعدوى، مثل: عضة كلب حديثة، أو ثقبًا عميقًا بالأظافر.
- تنتقل هنا العدوى للعظام عن طريق الأنسجة الملوثة المحيطة بها، وقد تتلوث العظام نفسها مباشرًة.
- إذا حدث كسر شديد أدي لخروج العظام نفسها من الجلد، وتلوثها لتصاب بالجراثيم مباشرًة.
- إذا اتصلت العظام مباشرة بقطع معدنية ملوثة، مثل: المفاصل البديلة.
العمليات الجراحية
يمكن أن يحدث تلوثًا مباشرًا بالجراثيم خلال العمليات الجراحية، لاستبدال المفاصل، أو إصلاح الكسور.
من الأكثر عرضة للإصابة بالتهاب العظم والنقي؟
كما ذكرنا سابقًا يعد هذا المرض نادرًا نوعًا ما، إذ لا يصاب به سوى اثنان فقط من كل عشرة آلاف شخص، يزداد انتشاره في الحالات التالية:
- الأمراض المناعية، والأمراض المزمنة مثل:
- السكري (إذ يكثر بينهم الإصابة بالتهاب العظم والنقي في القدم؛ لكثرة إصابة أقدامهم بالقرح).
- الفشل الكلوي.
- فقر الدم المنجلي.
- التهاب المفاصل الروماتيزمية.
- فيروس نقص المناعة البشرية، والإيدز.
- تعاطي المخدرات بالوريد.
- استخدام المنشطات على المدى الطويل.
- المدخنون.
علامات التهاب العظم والنقي
لا تختلف أعراض الالتهاب الحاد والمزمن عن بعضهما، إذ تشمل:
- الحمى.
- الغثيان.
- حدوث تورم، أو احمرار، أو دفء في المنطقة المصابة.
- تعب عام.
- ألم بالمنطقة المصابة (كما يُعرف التهاب العظم والنقي في الفقرات من آلام الظهر الشديدة، خاصةً ليلًا).
ربما لا يصاحب الالتهاب أي أعراض، أو تتداخل أعراضه مع أعراض أخرى، خاصةً لدى الأطفال، أو كبار السن المصابين بأمراض مناعية.
التشخيص
يعد التشخيص السليم أول مراحل العلاج، لذا يجب الاهتمام بتلك المرحلة للحصول على تشخيص دقيق، تشمل مرحلة التشخيص عدة مراحل:
الكشف السريري
يفحص الطبيب الجزء المصاب لتحديد مدى الألم فيه، وإن كان مصابًا بدفء، أو تورم، أو احمرار.
فحص الدم
لا توجد تحاليل تؤكد وجود الإصابة أم لا، لكنها بالطبع تساهم في تحديد نسبة الالتهاب بحصر عدد كرات الدم البيضاء.
إن حدث نتيجة عدوى بالدم، هنا؛ يعطي التحليل نوع العدوى المصاب بها.
اختبارات التصوير
تختلف نتائج هذه الاختبارات حسب اختلاف الأشعة، والأجهزة المستخدمة.
الأشعة السينية (X-Rays)
تكشف الأشعة السينية عن تلف العظام، لكنها لا تكون فعالة إلا إن كانت الإصابة قد مر عليها عدة أسابيع.
في حال كانت الإصابة حديثة، تحتاج حينها إلى اختبارات تصوير أكثر تفصيلًا.
التصوير بالرنين المغناطيسي (MRI)
تصور الأشعة المغناطيسية العظام، والأنسجة الرخوة المحيطة بها تصويرًا أكثر تفصيلًا، ودقة.
خزعة العظام (Bone biopsy)
تمكن خزعة العظام الطبيب من تحديد نوع البكتريا المسببة للإصابة، كما تمكنه فيما بعد من اختيار مضادًا حيويًا فعالًا معها.
- يجب هنا التنويه لوجود طريقتين لخزعة العظام.
- الخزعة المفتوحة، التي تتطلب تخديرًا كليًا، وجراحة للوصول للعظام.
- في بعض الحالات يستخدم الجراح إبرة طويلة عبر الجلد وفي العظام لأخذ الخزعة، لا تتطلب تلك الطريقة سوى تخدير موضعي.
التهاب العظم والنقي في الفكين
يعد التهاب العظم والنقي في الفكين شائعًا في عيادات الفم والأسنان؛ إذ يحدث نتيجة التهابات شديدة بالأسنان.
بالرغم من التطور الكبير بمجال الأسنان، والتطور الواسع بالمضادات الحيوية، إلا أن طرق العلاج لهذا المرض لم تتغير منذ ما يقرب من سبعين عامًا مضت.
العلاج يكمن في خلع الأسنان المصابة، وإزالة عظام الفك المصابة، أو الميتة، واستبدالها بعظام أخرى قابلة للحياة مع جرعات مكثفة من المضادات الحيوية.
التهاب العظم والنقي عند الاطفال
عادةً ما يكون عند الاطفال التهابًا ذا أصل دموي في المقام الأول.
عظام الأطفال سريعة النمو لذلك يصلها إمداد دموي غزير، لمواكبة نموها مما يعطي فرصةً أكبر للبكتيريا في الدم للوصول إلى العظام مع هذا الإمداد الدموي.
التهاب العظم والنقي المزمن
يعد التهاب العظم والنقي المزمن عدوى شديدة ومستمرة؛ لذا يجعل علاجها صعبًا.
كما تحدث هذه الحالة بسبب العلاج غير الكافي لالتهاب العظم والنقي الحاد.
علاج التهاب العظم والنقي
العلاج الأكثر انتشارًا هو الجراحة لإزالة الجزء المصاب، أو الميت من العظم، والأنسجة المحيطة.
عادةً ما يأخذ الطبيب جزءًا من العظم السليم لضمان القضاء نهائيًا على المنطقة المصابة.
يقوم الطبيب في أثناء الجراحة بالتأكد من إعادة الإمداد الدموي للعظام مرة أخرى.
تُتبع الجراحة بمضادات حيوية فعالة للعدوى تم تحديدها مسبقًا في أثناء التشخيص بواسطة خزعة العظام.
تعطى المضادات في صورة وريدية مدة لا تقل عن ستة أسابيع، كما تُتبع بمضادات حيوية بالفم.
ختامًا، قد يبدو التهاب العظم والنقي تحديًا كبيرًا لمصابيه، إلا إن هذا لا يعني بتاتًا استحالة التعافي منه.
فكلما كان التشخيص سريعًا، كلما استطاع الأطباء السيطرة عليه قبل انتشاره في مساحة أكبر من العظام.
لأن الوقاية خير من العلاج فأرجوك عزيزي القارئ، لا تستهن بأي جرح أو التهاب، واهتم بنظافته وتطهيره، وإن استدعى الأمر تناول مضادات حيوية، فاحرص على ذلك.
دمتم أصحاء.