الدهون الثلاثية | مصدر ضعفك وقوتك
“نسبة الدهون الثلاثية والكوليسترول مرتفعة جدًا، عليها باتباع نظام غذائي صحي مع تلك الأدوية وستتحسن قريبًا وتختفي تلك النتوءات”.
هذا ما أخبرني به الطبيب عن حالة والدتي، ثم تركْته وعلامات التعجب مرسومة على وجهي.
يدور في عقلي عشرات الأسئلة عن كيفية حدوث ذلك بالرغم من عدم شكواها من شيء سوى نتوءات جلدية غير مؤلمة على ذراعيها.
لذلك سنجيب في هذا المقال -عزيزي القارئ- عن تلك التساؤلات الكثيرة حول الدهون الثلاثية، وأسبابها، وأعراضها، وعلاجها، وكيفية الوقاية منها.
ما الدهون الثلاثية؟
تُعد شكلًا من أشكال الدهون الموجودة في الدم، وتسمى “ثلاثي الجليسريد” (Triglyceride) وتستخدم لنقل الأحماض الدهنية وتخزينها في الخلايا الدهنية في الجسم.
إذ تفرز الخلايا الدهنية الدهون الثلاثية في أثناء فترات الصيام، للحصول على الطاقة اللازمة لعملية التمثيل الغذائي.
مصادر الدهون الثلاثية
نظرًا لمدى أهميتها في الجسم؛ فيمكن الحصول عليها من مصدرين أساسيين، هما:
الطعام
تُكسر الأمعاء الأطعمة الغنية بالدهون إلى كلٍ من الجلسرين والأحماض الأمينية، لكي يُسهل امتصاصها في الخلايا المبطنة للأمعاء، ثم تُجمع مرة أخرى وتُطلق في مجرى الدم.
تنقل الدهون الثلاثية جنبًا إلى جنب مع الكوليسترول في حاويات تسمى الكيلومكرونات (Chylomicrons) في مجرى الدم إلى جميع أنحاء الجسم؛ نظرًا لصعوبة ذوبان كل منهما في الدم.
بعد ذلك تستخلص أنسجة الجسم الدهون الثلاثية من الكيلومكرونات وتستخدمها للحصول على الطاقة، وتُخزن الفائض منها في الخلايا الدهنية.
الكبد
يحول الكبد الأطعمة التي تفوق حاجة الجسم خاصةً الغنية بالكربوهيدرات إلى دهون ثلاثية.
يُطلقها الكبد في مجرى الدم في صورة حاويات تسمى “بروتينات دهنية منخفضة الكثافة” (VLDL) وتُنقل إلى الخلايا الدهنية لتخزينها على المدى البعيد.
قد يحفز ارتفاع معدلات الدهون في الدم (فرط شحوم الدم) ترسب الدهون الثلاثية على الكبد، الذي يمكن أن يتطور إلى الإصابة بتليف الكبد.
نسبة الدهون الثلاثية الطبيعية في الجسم
يمكن تشخيص نسبة الدهون في الجسم بإجراء فحص دم بسيط، وهذا الفحص يتطلب صيام مدة تتراوح من 9 إلى 12 ساعةً قبل سحب عينة الدم.
تتضمن هذه المعدلات ما يلي:
النسبة | التشخيص |
أقل من 150 (ملجم/ديسيليتر) | طبيعي |
تتراوح من 150 إلى 199 (ملجم/ديسيليتر) | حدود مرتفعة (ناقوس الخطر) |
تتراوح من 200 إلى 499 (ملجم/ديسيليتر) | مرتفع |
أكبر من 500 (ملجم/ديسيليتر) | مرتفع جدًا |
يُجري الأطباء هذا الفحص كجزء من فحوصات دهون الدم، والذي يقيس معه مستويات كلٍ من: الكوليسترول الكلي، والجيد (HDL)، و الضار (LDL).
يُعرف هذا الفحص الشامل باسم “لوحة الدهون أو ملف تعريف الدهون”.
ما هي اضرار الدهون الثلاثية؟
يساهم ارتفاع مستويات الدهون في حدوث ما يلي:
- زيادة سُمك جدران الشرايين (تصلب الشرايين).
- زيادة مخاطر الإصابة بالنوبة القلبية والسكتة الدماغية وأمراض القلب المختلفة.
- الإصابة بالتهاب البنكرياس الحاد.
ما أسباب ارتفاع الدهون الثلاثية؟
يشير ارتفاع معدلاتها إلى الإصابة بمشكلات صحية أخرى، وهذا ما يضعه في دائرة خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية.
تشمل هذه الحالات المرضية ما يلي:
- السمنة.
- متلازمة التمثيل الغذائي، وهي مزيج من الحالات التي تتضمن ارتفاع ضغط الدم، وارتفاع نسبة السكر في الدم، وتجمع كمية كبيرة من الدهون حول الخصر، وانخفاض مستويات الكوليسترول الجيد (HDL).
- قصور الغدة الدرقية.
- مقدمات السكري أو داء السكري من النوع الثاني.
- بعض الحالات الوراثية النادرة: التي تؤثر في وظيفة تحويل الدهون في الجسم إلى طاقة.
- أمراض الكلى.
في بعض الحالات، تؤدي بعض الأدوية إلى زيادة مستويات الدهون كأحد الآثار الجانبية لها مثل:
- مدرات البول (Diuretic).
- حبوب منع الحمل.
- المنشطات.
- الإستروجين والبروجستين.
- حاصرات مستقبلات بيتا (Beta blockers).
- بعض أدوية فيروس نقص المناعة البشرية (HIV).
- تاموكسيفين (Tamoxifen).
هناك بعض العادات السيئة التي تساهم في ارتفاع الدهون، مثل: التدخين، وتناول المشروبات الكحولية.
بينما في حالات قليلة، قد يتوارث ارتفاع نسبة الدهون في الدم بين أفراد العائلة.
ما هي اعراض ارتفاع الدهون الثلاثية؟
عادةً، لا تظهر أي أعراض مرتبطة بزيادة مستويات الدهون الثلاثية أو الكوليسترول.
لذلك يحتاج أي شخص يزيد عمره عن 20 عامًا إلى إجراء فحوصات ملف الدهون (Lipid profile) كل أربع أو خمس سنوات للاطمئنان على الصحة.
في بعض الحالات، ربما تظهر بعض العلامات التحذيرية عند الارتفاع الشديد في نسبة الدهون (أكبر من 500 ملجم/ديسيليتر)، مثل:
- الورم الصفراوي (رواسب دهنية تحت الجلد).
- التهاب البنكرياس.
- تورم وألم في الكبد أو الطحال.
ما هو علاج الدهون الثلاثية؟
يُعد خفض مستوياتها المرتفعة أمرًا بسيطًا يمكنك إنجازه بنفسك؛ بإجراء بعض التغييرات في النظام الغذائي ونمط الحياة مثل:
ممارسة الرياضة بانتظام
تساعد ممارسة الرياضة على تقليل الدهون وزيادة الكوليسترول الجيد؛ لذلك حاول جاهدًا إدخال النشاط البدني إلى مهامك اليومية بانتظام.
لكن بشرط ألا تقل مدة ممارسة الرياضة عن 30 دقيقة يوميًا على مدار خمسة أيام في الأسبوع.
توجد عدة وسائل من الألعاب الرياضية البسيطة، مثل: الصعود والنزول على الدرج يوميًا، أو المشي، أو الركض البطيء.
الحد من تناول السكريات والكربوهيدرات
تتحول السكريات والكربوهيدرات الزائدة عن حاجة الجسم إلى دهون ثلاثية، وتخزن في الخلايا الدهنية؛ لذلك يساعد الحد من استهلاكهم على خفض مستوياتها في الدم.
تناول مزيد من الألياف
يساعد إضافة مزيد من الألياف إلى النظام الغذائي على إبطاء امتصاص الدهون والسكر في الأمعاء؛ مما يؤدي إلى تقليل كمية الدهون في الدم.
تتوافر الألياف الغذائية بصورة طبيعية في الفواكه والخضراوات والحبوب الكاملة، كذلك في عديد من المصادر النباتية الأخرى مثل: المكسرات، والحبوب، والبقوليات.
فقدان الوزن
يُعد الوزن الزائد خاصةً حول الخصر من أهم أسباب زيادة نسبة الدهون الثلاثية.
لذلك يمكن للأشخاص الذين يعانون ارتفاع الدهون بمعدل خفيف إلى متوسط؛ التركيز على خفض السعرات الحرارية في نظامهم الغذائي لكي يتمكنوا من فقدان الوزن.
يمكن ذلك بممارسة الرياضة بانتظام، والتركيز على نظام غذائي غني بالفواكه والخضراوات والبروتينات ومنتجات الألبان قليلة الدسم، كذلك الحد من تناول الأطعمة السكرية، مثل: المشروبات الغازية.
كذلك أثبتت الدراسات العلمية أن فقدان 5% إلى 10% من وزن الجسم له تأثير كبير في خفض مستوى الدهون في الدم.
الحد من تناول المشروبات الكحولية
تحتوي المشروبات الكحولية على نسب مرتفعة من السعرات الحرارية، التي تحث بشدة على زيادة الدهون؛ لذلك يفضل منع تناولها.
خفض الدهون الثلاثية بالأدوية
في حالة أن النظام الغذائي الصحي وممارسة الرياضة لم يكونا كافيَين لإنقاص مستويات الدهون المرتفعة؛ فربما يوصي الطبيب بتناول بعض الأدوية المساعدة ومنها الآتي:
نياسين (Niacin)
يُطلق عليه حمض النيكوتينيك (Nicotinic Acid) ذو التأثير الخافض للدهون الثلاثية والكوليسترول الضار (LDL).
لكن يجب تناوله تحت إشراف طبي؛ نظرًا لإمكانية تفاعله مع أدوية أخرى مسببًا آثار جانبية خطرة.
فيبرات (Fibrates)
يمكن لأدوية الفيبرات مثل: فينوفايبرات (Tricor)، أو جيمفيبروزيل (Lopid) أن تساعد على خفض مستويات الدهون.
لكن يحذر الأطباء من تناولهم للأشخاص الذين يعانون أمراضًا شديدةً في الكلى أو الكبد.
الستاتينات (Statines)
هي مجموعة من العقاقير الخافضة لمستويات الكوليسترول في الدم، وتعد الأكثر فاعلية في خفض مستويات الكولسترول.
إذ يتناولها المرضى الذين يعانون ارتفاع مستويات الكوليسترول أو ذوو التاريخ المرضي لانسداد الشرايين أو داء السكري.
كذلك توجد عديد من عقاقير الستاتينات التي تباع في الأسواق، مثل: أتورفاستاتين (Atorvastatin)، أو روسوفاستاتين (Rosuvastatin).
زيت السمك
تُعرف باسم أحماض أوميجا 3 (Omega 3) المساعد على خفض الدهون الثلاثية.
كذلك تحتوي مستحضرات زيت السمك، مثل: لوفازا (Lovaza) على أحماض دهنية أكثر نشاطًا من عديد من المكملات الغذائية.
يمكن أن تسبب الجرعات العالية من زيت السمك نزيفًا لدى بعض الأشخاص، لذلك يجب التحدث إلى الطبيب قبل تناولها.
تذكر -عزيزي القارئ- أنه لا ينصح بتناول أي أدوية دون استشارة الطبيب المختص أو الصيدلي لتحديد العلاج والجرعات المناسبة للحالة الصحية.
خفض الدهون الثلاثية بالأطعمة
يمكنك استبدال الدهون غير الصحية الموجودة في اللحوم الحمراء، كذلك الدهون المشبعة الموجودة في الأطعمة المصنعة والسمن النباتي، بتناول دهون صحية أحادية غير مشبعة، مثل:
- زيت الزيتون.
- المكسرات، مثل: عين الجمل، والكاجو، والفستق.
- بعض الأسماك التي تحتوي على أحماض أوميجا 3، مثل: التونة، والسلمون، والسردين، والماكريل.
- بذور الكتان (تحتوي على أحماض أوميجا 3).
- منتجات الألبان قليلة الدسم.
- الحبوب الكاملة، مثل: الشوفان.
- بروتين الصويا، مثل: فول الصويا، وحليب الصويا.
ختامًا، عزيزي القارئ الصحة هي ثروتك الحقيقية التي لا تفنى؛ فعليك الاستثمار فيها باتباعك نمطًا غذائيًا صحيًا وممارسة الرياضة اليومية.
هذا هو مفتاحك السحري للوقاية من الدهون الثلاثية وأمراض القلب المختلفة ودمتم أصحاء أقوياء.