فقر الدم المنجلي من الأمراض النادرة والوراثية التي تنتقل إلى الأطفال، ولذلك يتأثر نموهم كثيرًا بهذا المرض، كذلك حياتهم اليومية.
ما هذا المرض؟ كيف يمكن انتقاله للأطفال؟ كيف يمكن تشخيصه وعلاجه؟ هل يمكن للمصاب به الزواج؟ تعرف معنا عزيزي القارئ إلى إجابات كل تلك الأسئلة في هذا المقال.
ما هو فقر الدم المنجلي؟
مرض وراثي يصيب خلايا الدم الحمراء، وهو حالة متنحية أي يحتاج الشخص إلى نسختين من الجين المعيب لحدوث الإصابة.
أما إذا امتلك الشخص نسخةً واحدةً فقط يُعد بذلك حاملًا للمرض.
تتشكل كرات الدم الحمراء عند الشخص السليم على هيئة أقراص؛ مما يمنحها المرونة والانسيابية للتنقل في الأوعية الدموية حتى أصغرها.
أما في حالة الإصابة بفقر الدم المنجلي تتشكل كرات الدم الحمراء على هيئة هلال يشبه المنجل؛ مما يجعلها صلبة ولزجة وأكثر عرضةً للاحتباس داخل الأوعية.
لذلك يقل وصول الدم إلى أجزاء الجسم المختلفة لأداء وظيفته المعتادة.
الفئات الأكثر عرضة للإصابة
تزداد احتمالية الإصابة في المناطق التي يوجد بها مصابون بمرض الملاريا المستوطنة، كذلك المرشحون لحمل العدوى، وتشمل:
- إفريقيا.
- دول البحر الأبيض المتوسط.
- المملكة العربية السعودية.
- الهند.
يتعرض الأطفال لخطر الإصابة فقط عندما يكون كلا الوالدين حاملين للمرض.
درجات فقر الدم المنجلي
يتدرج فقر الدم المنجلي تبعًا لأنواعه المختلفة من أعراضٍ بسيطة إلى شديدة الحدة.
يعد الهيموجلوبين البروتين الموجود في خلايا الدم الحمراء الذي يحمل الأكسجين، وعادةً ما يحتوي على سلسلتين ألفا وسلسلتين بيتا.
تحدث الأنواع المختلفة بسبب طفرات مختلفة في الجينات المسؤولة عن تكوين الهيموجلوبين، ونذكر من الأنواع الشائعة:
مرض هيموجلوبين SS
(Hemoglobin SS Disease)
النوع الأكثر شيوعًا من أنواع فقر الدم المنجلي، يحدث عندما يرث الشخص نسخًا من هيموجلوبين S من كلا الوالدين.
يُعد أكثر الأنواع حدة في الأعراض وبمعدلات عالية الحدوث.
مرض هيموجلوبين SC
(Hemoglobin SC Disease)
ثاني أكثر الأنواع شيوعًا، يحدث عندما ترث نسخة هيموجلوبين S من أحد الوالدين ونسخة هيموجلوبين C من الآخر.
كذلك يعاني المصابون نفس أعراض المصابين بهيموجلوبين SS، بينما تكون الأنيميا أقل حدة.
هيموجلوبين SB + (بيتا) ثلاسيميا
(Hemoglobin SB+ (beta) Thalassemia)
يتأثر به جين إنتاج البيتا جلوبين؛ إذ ينتج بكميات أقل، مما يؤثر في حجم خلايا الدم الحمراء فيجعلها أصغر.
تكون الأعراض أقل حدة من الأنواع السابق ذكرها.
هيموجلوبين SB 0 (بيتا – صفر) ثلاسيميا
(Hemoglobin SB 0 Beta-zero) Thalassemia))
النوع الرابع من أنواع فقر الدم المنجلي، ويمكن أن تكون الأعراض أكثر حدة.
أنواع أخرى نادرة
- هيموجلوبين SD.
- كذلك هيموجلوبين SE.
- هيموجلوبين SO.
حاملي سمة الخلايا المنجلية
الأشخاص الذين يرثون جين الخلايا المنجلية من أحد الوالدين بينما الآخر سليم، فيطلق عليهم حاملي المرض، وربما تكون الأعراض بسيطة أو لا تظهر أي أعراض.
اعراض فقر الدم المنجلي
تظهر الأعراض عادةً في سن مبكرة، وغالبًا ما تظهر أعراض فقر الدم المنجلي عند الأطفال عند عمر ستة أشهر تقريبًا، وربما تظهر أبكر قليلًا عند عمر الأربعة أشهر.
تختلف شدة الأعراض من نوع لآخر، وتشمل الأعراض ما يلي:
- التعب والإرهاق.
- اليرقان (اصفرار الجلد والعينين).
- التبول اللا إرادي الناتج عن مشكلات الكلى المصاحبة للمرض.
- تورم وألم في اليدين والقدمين.
- ألم في الصدر أو الظهر أو الذراعين أو الساقين.
- عدوى متكررة.
مضاعفات فقر الدم المنجلي
يتسبب فقر الدم المنجلي في مجموعة من المضاعفات نتيجة انسداد الأوعية الدموية بخلايا الدم منجلية الشكل، ويعتمد ذلك على بعض الظروف المحيطة، مثل:
- تغير درجات الحرارة.
- التوتر والضغط العصبي.
- المرض.
- الجفاف.
- الارتفاع عن سطح البحر.
نذكر فيما يلي بعضًا من هذه المضاعفات:
فقر الدم الشديد (Severe anemia)
تعيش خلايا الدم الحمراء الطبيعية مدة 120 يومًا تقريبًا، بينما تتكسر الخلايا المنجلية سريعًا؛ إذ تعيش مدة أقصاها من 10 إلى 20 يومًا.
تأخر النمو
لا يمكن لخلايا الدم المنجلية توفير ما يكفي من الأكسجين والمواد الغذائية اللازمة لبناء الجسم.
لذلك فإن الأطفال المصابين أقصر في الطول من أقرانهم، لكنهم يستعيدون طولهم بحلول سن الرشد، كذلك ربما يتأخر بلوغهم.
أزمة الاحتجاز الطحالي (Splenic Sequestration)
يؤدي انسداد الأوعية المغذية للطحال بالخلايا المنجلية إلى تضخم حاد ومفاجئ في الطحال، وربما يستلزم استئصاله.
كذلك يعاني بعض مرضى فقر الدم المنجلي أضرارًا بالغةً في الطحال؛ إذ يتقلص حجمه ويتوقف عن العمل تمامًا بما يُعرف باستئصال الطحال الذاتي (Autosplenectomy).
يكون المريض أكثر عرضً لحدوث العدوى البكتيرية دون الطحال، مثل: السلمونيلا (Salmonella)، والبكتريا المستدمية (Haemophilus)، والبكتيريا العقدية (Streptococcus).
متلازمة اليد والقدم (Hand-Foot Syndrome)
عادةً ما يكون تورم اليدين والقدمين من أولى علامات الإصابة بفقر الدم المنجلي؛ نتيجة لانسداد الأوعية المغذية لليدين والقدمين.
متلازمة الصدر المنجلي (Sickle Chest Syndrome)
نوع حاد من أزمة الخلايا المنجلية، وتُسبب ألمًا شديدًا في الصدر، كذلك يصاحبه أعراض أخرى، مثل: السعال أو الحمى أو البلغم، أو ضيق التنفس أو انخفاض مستويات الأكسجين في الدم.
تقرحات الجلد
يمكن أن تحدث تقرحات الساقين حال انسداد الأوعية الدموية الموجودة بها.
مضاعفات عصبية
يتسبب انسداد الأوعية الدموية في الدماغ الناتج عن فقر الدم المنجلي في حدوث نوبات أو سكتة دماغية، أو الغيبوبة.
مشكلات في الإبصار
ربما يحدث العمى نتيجة انسداد الأوعية الدموية المغذية للعينين؛ مما يؤدي إلى أضرار بالغة بشبكية العين.
حصوات المرارة
تتكسر خلايا الدم المنجلية بسرعة كبيرة، تؤدي إلى تراكم مادة البيليروبين (Bilirubin) الناتجة عن التكسير، يمكن أن تؤدي هذه المستويات العالية إلى تكوُّن حصوات في المرارة.
أمراض القلب والرئتين
يتسبب نقص إمدادات الأكسجين في حدوث مشكلات القلب، وربما تؤدي إلى النوبات القلبية (Heart attacks)، أو قصور القلب (Heart Failure)، أو عدم انتظام نظم القلب (Abnormal Heart Rhythms).
كذلك تتلف الرئتان بمرور الوقت نتيجة انخفاض تدفق الدم إليها، مما يؤدي إلى ارتفاع ضغط الدم الرئوي (Pulmonary Hypertension) أو التليف الرئوي (Pulmonary Fibrosis).
قساح (Priapism)
القساح أو الانتصاب المستمر وهو انتصاب مؤلم طويل الأمد يمكن ملاحظته لدى بعض الرجال المصابين بمرض فقر الدم المنجلي.
يحدث عند انسداد الأوعية الدموية في القضيب، ويمكن أن يؤدي ذلك إلى العجز الجنسي إذا تُرِك دون علاج.
تشخيص فقر الدم المنجلي
يمكن اكتشاف الإصابة بالمرض في الأجنة قبل الولادة باختبار البحث عن جين الخلايا المنجلية في السائل الأمنيوسي.
كذلك يمكن تشخيص المرض عند الأطفال أو البالغين باستخدام واحد أو أكثر من الإجراءات الآتية:
التاريخ المرضي
غالبًا ما تظهر الإصابة بفقر الدم المنجلي لأول مرة بألم حاد في اليدين والقدمين، كذلك ربما يعاني المريض ما يأتي:
- فقر الدم.
- نوبات ألم حادة.
- تضخم الطحال.
- عدوى الجهاز التنفسي.
- تقرحات الساقين.
- تأخر النمو والبلوغ.
- ضعف الإبصار وربما تلف الشبكية.
- أمراض القلب.
تحاليل الدم
تُطلب عديد من التحاليل الطبية لاكتشاف الإصابة بفقر الدم المنجلي، مثل:
- فحص تعداد كرات الدم: يمكنه اكتشاف مستويات غير طبيعية من الهيموجلوبين (من 6 إلى 8 جرامات لكل ديسيليتر).
- بالإضافة إلى فحص كرات الدم تحت المجهر: يمكنه إظهار شكل غير منتظم لكرات الدم الحمراء.
الفصل الكهربائي للهيموجلوبين (Haemoglobin Electrophoresis)
يهدف تحليل الفصل الكهربائي للهيموجلوبين إلى قياس نسبة بروتين الهيموجلوبين داخل كرات الدم الحمراء وتحديد أنواعه المختلفة.
يُستخدم للتفريق بين الشخص السليم وحامل المرض والمصاب فعليًا.
علاج فقر الدم المنجلي
كذلك يوصي الطبيب بعدد من الإجراءات الطبية للعلاج، وتشمل:
- يساعد العلاج بالسوائل الوريدية على عودة خلايا الدم الحمراء إلى شكلها الطبيعي؛ إذ يمكن أن تتخذ الخلايا الشكل المنجلي إذا كان الشخص يعاني الجفاف.
- يعد علاج العدوى المتزامنة مع المرض جزءًا هامًا من علاج الأزمة؛ إذ يمكن أن يؤدي الضغط الناجم عن العدوى إلى حدوث أزمة الخلايا المنجلية.
- كذلك تساعد عمليات نقل الدم على تحسين توصيل الدم والأكسجين إلى خلايا الجسم المختلفة.
- يمكن الاستعانة بجلسات التنفس بالأكسجين لتحسين مستويات الأكسجين بالدم وتسهيل عملية التنفس.
- قد يحتاج المصاب إلى استخدام المسكنات لتخفيف الألم في أثناء الأزمة.
- هيدروكسي يوريا (دروكسيا) (Hydroxyurea, Droxia): دواء يساعد على زيادة إنتاج الهيموجلوبين الجنيني؛ مما يساهم في تقليل عدد مرات نقل الدم.
- ربما تساعد التحصينات على تحسين المناعة والوقاية من العدوى.
تستخدم زراعة نخاع العظم لعلاج فقر الدم المنجلي غالبًا في الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 16 عامًا والذين يعانون مضاعفات خطيرة، أو من لديهم متبرع مطابق.
فقر الدم المنجلي والزواج
مثلما ذكرنا سابقًا أن هذا المرض وراثيًا ويؤثر كثيرًا في نمو الطفل وأدائه لأنشطته اليومية.
كذلك فإن العلاج المتوفر حاليًا من تغيير نخاع العظام له شروط عديدة لنجاحه وباهظ الثمن.
لذلك ينبغي للمقبلين على الزواج من اختبار سمة الخلايا المنجلية إذا لم تكن تظهر عليهم أي أعراض، وذلك لاختبار احتمالية وراثة الأطفال لهذا المرض.
يستطيع المصابون بأنواع محددة من مرضى فقر الدم المنجلي الزواج دون الخوف من نقل المرض إلى الأطفال، بينما حالات أخرى يحذر فيها الزواج خشية إنجاب أطفال مصابين.
كذلك يحذر على الشخص الحامل للمرض الزواج من أخرى مصابة بالمرض والعكس؛ إذ يمكن نقل الإصابة الأطفال.
يمكن للشخص السليم الزواج من أخرى مصابة بالمرض أو حتى حاملة له والعكس دون الخوف من انتقال المرض إلى الأطفال.
كذلك يحظر على الشخص المصاب بالمرض أن يتزوج من أخرى مصابة أو حاملة للمرض والعكس؛ إذ إنه من المُحتَّم انتقال المرض للأطفال.
تكون المرأة الحامل المصابة بفقر الدم المنجلي أكثر عرضةً لخطر الولادة المبكرة، أو إنجاب طفل منخفض الوزن عند الولادة أو مضاعفات أخرى.
لكن مع الرعاية المبكرة قبل الولادة، والمراقبة الدقيقة طوال مدة الحمل يمكن للمرأة المصابة أن تتمتع بحمل صحي.
ختامًا، أطفالنا أمانة؛ ولذلك يُنصح بإجراء الاختبارات الطبية اللازمة قبل الزواج لاكتشاف الإصابة بفقر الدم المنجلي، للتمتّع بحياة زوجية صحية، وإنجاب أطفال أصحاء.