“لاحظت على طفلي أعراض تأخر النمو عن أقرانه، كنت أُطمئن نفسي بأن مراحل تطور النمو تختلف من طفل إلى آخر، حتى فاجأني طبيب طفلي ذات مرة قائلًا إنه ربما يعاني مرضًا نادرًا يسمى “مرض دوشين”.
أظلمت الدنيا أمامي، وازدحم رأسي بالتساؤلات، أبحث عن أي معلومة صغيرة ربما يطمئن بها قلبي”.
هذه خواطر أم عرفت مؤخرًا إصابة طفلها بمرض نادر.
تعرف معنا إلى مرض دوشين وعلاجه، وكيف يمكنك الاعتناء بالطفل؟
ما مرض دوشين (Duchenne Muscular Dystrophy)؟
يندرج مرض ضمور العضلات تحت مجموعة من الأمراض التي تجعل العضلات أضعف وأقل مرونة بمرور الوقت.
مرض دوشين هو أكثر أنواع ضمور العضلات شيوعًا، وينتج من عيوب في الجين المسؤول عن صحة العضلات.
غالبًا ما يُصيب الأطفال الذكور، وتبدأ الأعراض في الطفولة المبكرة، يعاني الأطفال المصابون بمرض دوشين العضلي صعوبة الوقوف والمشي وصعود السلالم.
أسباب مرض دوشين
تحتوي الجينات على المعلومات التي يحتاجها الجسم في صنع البروتينات اللازمة في عديد من وظائف الجسم المختلفة.
يحدث مرض ضمور العضلات الخلقي -دوشين- نتيجة عيب في الجين المسؤول عن صناعة بروتين يسمى الدستروفين (Dystrophin).
يحافظ هذا البروتين على قوة العضلات ويحميها من الإصابة، يوجد في العضلات الهيكلية وعضلة القلب بصورة أساسية.
عندما يتأثر إنتاجه بحدوث الطفرة الجينية؛ يؤدي ذلك إلى تقلص العضلات واسترخائها مع الاستخدام، ثم تضعف الألياف التالفة وتموت بمرور الوقت.
هل يُورَّث مرض دوشين؟
يُعد مرض دوشين من الأمراض النادرة، ويُعرف بأنه مرض مرتبط بالجنس؛ نظرًا إلى كونه ينتقل من خلال كروموسوم X.
يمتلك الذكور نسخةً واحدةً فقط من كروموسوم X وأخرى من كروموسوم Y، بينما تمتلك الإناث نسختين من كروموسوم X.
لذلك فإذا كانت إحدى النسختين مصابةً لدى الأنثى فالأخرى سليمة، بينما إذا أُصيب الذكر فيُعاني مرض دوشين العضلي وتظهر عليه الأعراض.
لا ينتقل المرض من الأب المصاب إلى أبنائه الذكور، بينما تكون جميع بناته حاملات للمرض.
تُعرف الأنثى صاحبة النسخة المعيبة من الكروموسوم X بأنها “حاملة للمرض”.
يمكنها أن تنقل المرض بنسبة 50٪ خلال كل حمل (لتصبح نسبة الإصابة المحتملة في الذكور والإناث 25٪ لكلٍ منهما).
ربما لا تدرك حاملة مرض دوشين إصابتها طوال حياتها، ما لم يكن لديها تاريخ عائلي سابق من الإصابة.
غالبًا لا يظهر على الفتاة حاملة المرض أي أعراض، لكن في بعض الأحيان ربما تعاني بعض الفتيات أعراضًا أقل حدة من الذكور.
لذلك ينبغي الخضوع لفحص عضلة القلب في عمر المراهقة للتأكد من حدوث أي تطورات.
تستطيع المرأة حاملة المرض مناقشة الخيارات المختلفة مع طبيبها عند التخطيط للحمل؛ كي تقلل فرص إصابة جنينها بالمرض، مثل: التلقيح الاصطناعي والاختبار الجيني للبويضة الملقحة قبل الزرع.
أما عند حدوث الحمل هناك خياران هما:
- اختبار السائل الأمنيوسي، في الأسبوع 15 إلى 18 من الحمل.
- أخذ عينات من خلايا المشيمة (CVS) ؛ في الأسبوع 10 إلى 12 من الحمل.
اعراض دوشين عند الاطفال
غالبًا ما تظهر أعراض مرض دوشين في فترة الطفولة المبكرة قبل أن يبلغ الطفل عامه السادس، ويبدأ التضرر في عضلات الساقين.
لذلك ربما يتأخر الطفل المصاب في المشي عن أقرانه؛ يواجه صعوبة عند صعود السلالم أو النهوض من الأرض، ويلاحظ أيضًا أن الطفل يمشي بتمايل أو على أصابع الأقدام.
كما يتأثر القلب والرئتان وأجزاء أخرى من الجسم يمكن أن تتلف مع التقدم في العمر، وربما تظهر أعراض أخرى مثل:
- انحناء العمود الفقري (الجنف).
- تقلص عضلات القدمين وقصرها.
- الصداع.
- النعاس.
- صعوبات التعلم.
- صعوبة التركيز.
تحدث بعض التقلصات في العضلات أحيانًا، لكن عامةً مرض ضمور العضلات الخلقي دوشين ليس مؤلمًا؛ إذ يستطيع الطفل التحكم في المثانة والأمعاء.
يعاني بعض الأطفال المصابين صعوبات التعلم، لكنه في الأغلب لا يؤثر في فهمه لمن حوله.
كيف يمكن تشخيص مرض دوشين؟
ينبغي مناقشة الطبيب المختص في الأعراض التي تلاحظ على الطفل، مثل:
- كم كان عمر الطفل عندما بدأ المشي؟
- ما مدى جودة أدائه الحركي مثل الجري أو صعود السلالم أو النهوض من الأرض؟
- منذ متى وأنت تلاحظ هذه المشكلات؟
- هل يعاني أي شخص آخر في العائلة ضمورًا عضليًا؟ وأي نوع؟
- هل يعاني صعوبة التنفس؟
- ما مدى الانتباه أو تذكر الأشياء؟
يفحص الطبيب الطفل جيدًا لاستبعاد الحالات الأخرى من ضمور العضلات، كذلك يطلب إجراء بعض الفحوص، مثل:
تحاليل الدم
يجرى هذا الاختبار للكشف عن الكرياتين كيناز (CK)، وهو إنزيم تطلقه خلايا العضلات عند تضررها.
يشير ارتفاع مستوياته إلى أن الطفل ربما يكون مصابًا بضمور العضلات دوشين.
اختبارات الجينات
يختبر الطبيب عينة من الدم للبحث عن تغييرات في جين الديستروفين الذي يسبب ضمور العضلات.
خزعة العضلات
يزيل الطبيب قطعة صغيرة من عضلات الطفل باستخدام إبرة، ويفحصها تحت المجهر للتحقق من مستويات الديستروفين المنخفضة.
علاج مرض دوشين عند الاطفال
لا يوجد علاج نهائي لمرض دوشين (DMD)، لكن يوجد بعض العلاجات التي يمكنها أن تخفف الأعراض وتحمي العضلات، وتحافظ على صحة القلب والرئتين.
بالإضافة إلى ذلك، يحتاج الطفل المصاب إلى أطباء من عدة تخصصات للمساهمة في علاج مرض دوشين والأعراض الناتجة عنه، قد يشمل ذلك:
- طبيب المخ والأعصاب.
- طبيب العظام.
- اختصاصي القلب.
- اختصاصي الصدر.
- مختص العلاج الطبيعي.
- عالِم الوراثة.
ونذكر من العلاجات الدوائية ما يلي:
الستيرويدات
تبطئ تلف العضلات، ويمكن أن تساعد قلب الطفل ورئتيه على العمل بفاعلية، مثل:
بريدنيزون (Prednisone)
الأطفال الذين يتناولون هذا الدواء قادرون على المشي مدة ما بين 2 إلى 5 سنوات أطول مما لو كانوا دونه.
ديفلازاكورت (Deflazacort)
عام 2017 وافقت إدارة الغذاء والدواء (FDA) على استخدام الكورتيكوستيرويد الفموي ديفلازاكورت (Deflazacort)، بذلك يكون أول كورتيكوستيرويد يعتمد للمساهمة في علاج مرضى دوشين.
يساعد على الاحتفاظ بقوة العضلات والقدرة على المشي.
من الآثار الجانبية الشائعة من هذا الدواء، مثال:
- الانتفاخ.
- زيادة الشهية.
- زيادة الوزن.
إتيبليرسين (Eteplirsen)
منحت إدارة الغذاء والدواء (FDA) الموافقة على استخدام إتيبليرسين (Eteplirsen) في الأطفال الذين يعانون طفرةً معينةً في الجين تؤدي إلى مرض دوشين، ويؤخذ عبر الحقن.
على الرغم من أن هذا الدواء يزيد إنتاج الديستروفين، الذي من شأنه أن يساعد على تحسين وظيفة العضلات، فإن ذلك لم يثبت بعد.
الغولوديريسين (Golodirsen)
يستخدم في عدد محدود من الأطفال الذين لديهم طفرة جينية قابلة للتخطي (Exon 53)، ويساعد على زيادة إنتاج الديستروفين في الألياف العضلية.
كذلك قد تساعد بعض أدوية ضغط الدم على الحماية من تلف عضلة القلب.
قد يحتاج الأطفال المصابون بضمور العضلات دوشين إلى جراحة لإصلاح تقصير العضلات، أو تقويم العمود الفقري، أو علاج مشكلة في القلب أو الرئة.
الجديد في علاج مرض دوشين دوشين
في فبراير 2021، منحت هيئة إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) الموافقة العاجلة على استخدام كازيمرسن (Casimersen) في علاج مرضى دوشين، الذين لديهم طفرة جينية قابلة للتخطي عند إكسون 45 (Exon 45).
الإكسون قطع من الحمض النووي (DNA)، ويحمل المعلومات اللازمة لصنع البروتينات التي يحتاج إليها الجسم.
يعد أول علاج معتمد للمرضى الذين يعانون هذا النوع من الطفرات (ما يقرب من 8٪ من إجمالي عدد المرضى).
أشار الباحثون إلى زيادة ملحوظة في إنتاج الديستروفين، مما جعلهم يتوقعون وجود فائدة محتملة مثل تحسن المهارات الحركية، لكنها لم تثبت بعد.
منحت هذه الموافقة العاجلة نظرًا للفائدة المرتقبة من استخدام هذا الدواء، ونقص العلاجات المتاحة لهذا النوع من الطفرات، لكن ما زال الدواء قيد الدراسة.
الآثار الجانبية لدواء كازيمرسن
من الآثار الجانبية الأكثر شيوعًا التي ظهرت على المرضى في أثناء الاستخدام ما يلي:
- التهابات الجهاز التنفسي العلوي.
- السعال.
- الحمى والصداع.
- آلام المفاصل.
- آلام الحلق.
يجرى حاليًا اختبار علاج جيني جديد (خاص بشركة Pfizer) لنقل الجين المسئول عن إنتاج الديستروفين إلى المصابين.
أظهر هذا العلاج تحسنًا واضحًا في الدراسات الأولية، وحاليًا في المرحلة الثالثة من الدراسات الإكلينيكية لاختبار الأمان والفاعلية.
يواصل العلماء البحث عن طرق جديدة لعلاج مرض دوشين في التجارب السريرية، غالبًا ما تكون وسيلة للمرضى لتجربة دواء جديد غير متاح للجميع.
يمكنك مناقشة الطبيب المختص فيما إذا كانت إحدى هذه التجارب مناسبة لطفلك.
كيف يمكن الاعتناء بطفل مصاب بمرض دوشين؟
من المثير للقلق معرفة أن الطفل يعاني مرض ضمور العضلات دوشين؛ لكن هذا لا يعني أنه لا يستطيع الذهاب للمدرسة أو ممارسة الرياضة.
يمكن مساعدة الطفل على عيش حياة جيدة، وذلك بالالتزام بخطة علاج مناسبة للطفل، وتشمل:
الوقوف والمشي قدر الإمكان
يساعد على جعل الجسم مستقيمًا؛ مما يحافظ على قوة عظام الطفل واستقامة عموده الفقري.
يمكن للدعامات أو المشايات الواقفة تيسير عملية الوقوف والالتفاف.
الحفاظ على النظام الغذائي الصحي
لا يوجد نظام غذائي خاص بمرضى دوشين، لكن الالتزام بنظام غذائي صحي يساهم في منع مشكلات زيادة الوزن.
كذلك ينبغي استشارة اختصاصي تغذية للتأكد من أن الطفل يتناول العناصر الغذائية المهمة، والسعرات الحرارية المناسبة له كل يوم.
ربما تحتاجين إلى استشارة الطبيب المختص إذا كان الطفل يعاني صعوبة البلع.
ممارسة الرياضة
تساهم الرياضة وتمارين التمدد في الحفاظ على صحة عضلات طفلك وسلامة مفاصله.
إذ يجب استشارة اختصاصي العلاج الطبيعي عن التمارين المناسبة لطفلك؛ كي يمارسها بأمان ودون إرهاق.
ختامًا، حتى وقت قريب كان الطفل المصاب بمرض دوشين يحتاج إلى كرسي متحرك بحلول عامه الثاني عشر نتيجة ضعف العضلات، إلا أن التوقعات الحالية أفضل كثيرًا من قبل.
كذلك يمكن لمرضى دوشين الذهاب إلى الجامعات أو دور التعليم، والزواج، وتأسيس أُسر.
يتطلع العالم إلى توفر علاج جيني لمرضى دوشين قريبًا، وذلك بعد الانتهاء من الدراسات الإكلينيكية اللازمة.