يعد رمضان شهر الروحانيات وشفاء العقل والجسد والروح، لكن ما تأثير الصيام على الدماغ؟
تشير الدراسات أن الصوم يحمل تأثيرًا إيجابيًا للصحة والدماغ، طالما اتبعت السلوكات الصحيحة في خلال مدة الإفطار.
تُرى، كيف تستفيد أجسادنا وتُشحذ عقولنا في أثناء صيام هذا الشهر الكريم؟ وهل الصيام مفيد للأعصاب؟
ستدهشك السطور القادمة -عزيزي القارئ- عن تأثير الصيام على الدماغ والجسم، فتابع معنا.
ما معنى الصيام؟
يمارس الصيام في عديد من الثقافات والأديان، ويُعد أحد أركان الإسلام الخمسة.
يمتنع المسلمون الأصحاء في خلال شهر رمضان الكريم أو في صيام التطوع عن تناول الطعام والشراب من الفجر إلى غروب الشمس.
إذ ربما يكون عدم تناول الطعام لأكثر من بضع ساعات المفتاح لحماية وظائف المخ على المدى الطويل.
لذلك لتعرف كيفية تأثير الصيام على الدماغ؛ سنطرح آلية تأثير الجوع المرتبط بهرمونات المعدة والأمعاء على المخ والجسم.
تأثير هرمونات الأمعاء في الدماغ والسلوك
يعد هرمونا الجريلين (Ghrelin) واللبتين (Leptin) من أشهر الهرمونات المسؤولة عن تنظيم عمليات الجوع والشبع.
إذ لاحظت دراسات التصوير العصبي تأثير هذه الهرمونات في الطريقة التي يستجيب بها الدماغ للمعلومات الحسية، خاصةً عندما يرتبط الأمر بالطعام.
إذ تفرز المعدة الجريلين عندما يحتاج الجسم إلى طاقة من السعرات الحرارية.
ذلك على عكس اللبتين المشتق من الأنسجة الدهنية للأمعاء، ويمثل إشارة الشبع للدماغ من أجل التوقف عن البحث عن الطعام.
كذلك أظهرت إحدى الدراسات إصابة بعض الحيوانات بالسمنة؛ نتيجة إصابتها بمقاومة اللبتين (Leptin Resistance).
إذ يشير ذلك إلى توقف الجسم عن إصدار استجابة سلوكية مناسبة تهدف إلى التوقف عن تناول مزيد من الطعام.
ما الفرق بين صيام رمضان والصيام المتقطع؟
يكمن التشابه الرئيس بينهما في الامتناع عن تناول الطعام والشراب، لكن يظهر الاختلاف في مدة الصيام.
إذ تتراوح عدد ساعات الصيام الإسلامي من 8 إلى 20 ساعة يوميًّا طيلة 29 أو 30 يومًا.
بينما قد تتجاوز عدد ساعات الصيام في نظام الصيام المتقطع إلى 24 ساعة، أي يوم كامل.
كذلك يُسمح في الصيام المتقطع بتناول السوائل الخالية من السعرات الحرارية، مثل: الماء والشاي والقهوة.
يختلفان كذلك في الهدف والدافع، فأحدهما لأسباب دينية وروحية والآخر للتنحيف.
بينما أوضحت أخصائية التغذية “تانيا فان أسويجن” أن تسمية الصيام المتقطع تعود إلى الممارسات، والنتائج المستخلصة من صيام شهر رمضان.
من هنا يتجلى أن لكل منهما آثارًا صحيةً إيجابيةً متشابهةً، بما في ذلك إنقاص الوزن.
تأثير الصيام على الدماغ والجسم
ربما شاعت بعض الأقاويل الخاطئة بأن الصيام يؤثر سلبًا في التركيز، لكن تشير جميع الأدلة إلى عكس ذلك، خاصةً على المدى الطويل.
فوائد الصيام للجهاز العصبي
يتجلى تأثير الصيام على الدماغ في تحسين الدوائر العصبية وتعزيز التركيز، ومن تلك الفوائد:
فوائد الصيام للاعصاب
يحافظ الصيام على الدماغ بأكثر من وسيلة، مثل:
- تقليل خطر الإصابة بأمراض التنكس العصبي (Neurodegeneration)، مثل: مرض الزهايمر (Alzheimer’s Disease) ومرض باركنسون (Parkinson’s Disease).
- الحد من تلف الدماغ وتعزيز الوظائف المعرفية بعد السكتة الدماغية (Stroke) والجلطة.
- الوقاية من اضطرابات المزاج، مثل: القلق والاكتئاب.
- تثبيط التهاب الدماغ الذي يرتبط بالاضطرابات العصبية.
تحسين أعراض مرض التصلب المتعدد
تشير بعض الدراسات المبكرة إلى فائدة الصيام في تحسين أعراض التصلب المتعدد (MS).
ذلك عبر تهدئة الاستجابة المناعية المفرطة النشاط المدمرة للأعصاب.
زيادة قوة الإرادة وضبط النفس
يقول الإمام مصطفى عمر -المدير الديني للمعهد الإسلامي في مقاطعة أورانج بكاليفورنيا-: “يغير شهر رمضان روتين الأشخاص ويساعدهم على تعلم الانضباط الذاتي”.
إذ يتطلب الصيام قوة ذهنية وقدرة على مقاومة الشعور بالجوع، وينظم هرمونات الأمعاء مما يعني شعورًا أسرع بالشبع.
هل الصيام يقوي الذاكرة؟
يحسن الإدراك ويوقف التدهور المعرفي الناجم عن التقدم في العمر، ذلك عبر تعزيز إصلاح خلايا المخ والمساهمة في تكوين خلايا دماغية جديدة.
ذلك من خلال زيادة البروتين المعروف باسم عامل التغذية العصبية المستمد من الدماغ (BDNF).
هل الصيام يؤثر على التفكير؟
يولّد عملية الالتهام الذاتي (Autophagy)، عبر التخلص من الجزيئات التالفة والسموم؛ مما يضمن تطور الدماغ واستمرارية أدائه على النحو الأمثل.
كذلك يستخدم المخ الطاقة المتاحة بدلًا من استهلاكها في هضم الطعام.
كل هذا بدوره يؤثر إيجابيًّا في جودة الحياة، لكن ما تزال هناك حاجة إلى إجراء مزيد من الدراسات للتأكد من هذه النتائج.
هل يزيد الصيام التركيز؟
قد يتمثل الأمر باختصار في توفير الوقت المستهلك في تناول الطعام لأداء المهام المطلوبة والتركيز عليها فقط.
الآن بعد الحديث عن تأثير الصيام على الدماغ، سنذهب في جولة سريعة حول تأثيراته المذهلة الأخرى في الجسم.
فوائد الصيام للجسم
نذكر منها الآتي:
الصيام وإنقاص الوزن
يمكن للصيام أن يقلل مؤشرة كتلة الجسم وحجم محيط الخصر، من خلال تحفيز حرق الدهون بدلًا من الجلوكوز.
إذ يعود ذلك إلى دور الصيام في تقليل مستويات الأنسولين؛ وتحسين حساسيته وزيادة التحكم في الجلوكوز.
كذلك يحمي الصيام من الإصابة بمتلازمة التمثيل الغذائي (Metabolic Syndrome) ويسهم في علاجها كذلك.
إذ تعد هذه المتلازمة أحد عوامل الخطر للإصابة بأمراضٍ عدة، ومنها:
- أمراض القلب والسكتة الدماغية.
- مرض السكري من النوع الثاني.
- ارتفاع ضغط الدم.
- زيادة دهون الجسم حول الخصر.
- الإصابة بارتفاع الكوليسترول أو الدهون الثلاثية.
زيادة إفراز هرمون النمو
وجدت عديد من الدراسات أن الصيام يمكن أن يزيد طبيعيًّا مستويات هرمون النمو (HGH)؛ مما قد يسهم في بناء العضلات.
تعزيز صحة الأمعاء
يسمح الصيام للأمعاء بتطهير بطانتها وتقويتها، إضافةً إلى دوره في زيادة معدل الأيض وتعزيز جهاز المناعة.
انخفاض خطر الإصابة بالسرطان
يمكن أن يحمي الصوم من الإصابة بالسرطانات أو يعالجها، ويحسن استجابة الورم للعلاج الكيميائي كذلك.
ربما يقلل الصيام عديدًا من العوامل البيولوجية المرتبطة بالسرطان، مثل: مستويات الأنسولين والالتهابات، ذلك عبر:
- يخفض إنتاج الجلوكوز في الدم.
- تناول غذاء صحي متوازن.
- يحفز الخلايا الجذعية لتنشيط المناعة.
- يزيد الخلايا القاتلة للورم.
مع ذلك يوصى لمرضى السرطان الذين يخططون للصيام باستشارة طبيب الأورام أو فريق الرعاية أولًا.
إذ قد لا يكون الصيام مناسبًا للأشخاص الذين يعانون سوء التغذية أو المصابين بالدَّنَف السرطاني (Cancer Cachexia).
إذ يؤدي الدنف السرطاني إلى استمرار فقدان كتلة العضلات والهيكل العظمي.
مريض الجلطة والصيام
أشارت بعض النتائج إلى حدوث بعض التغيرات المفيدة في مستويات الكوليسترول في الدم والحمض الأميني في البلازما، وحالة التخثر في أثناء الصيام.
ذلك بسبب احتمالية انخفاض لزوجة الدم من جرّاء حذف وجبة واحدة؛ إذ يدفع هذا بدوره إلى تنشيط عملية الأيض.
كيف تحافظ على تركيزك في أثناء الصيام؟
كي تحقق أقصى استفادة من تأثير الصيام على الدماغ بصورة إيجابية، يمكنك اتباع الآتي:
- جدولة أداء المهام التي تتطلب طاقة عالية في الصباح.
- يمكن شحن الطاقة من جديد عند أخذ قيلولة بعد الظهر.
- تجنب الحديث عن الطعام أو التفكير به.
- يمكن ممارسة الرياضة قبل الإفطار بساعة لتعزيز النشاط.
هل يضر الصيام بالصحة؟
تكمن المشكلة في ممارسة بعض السلوكات الخاطئة في خلال مدة الإفطار؛ مما يذهب جهد الحصول على الفوائد الصحية للصيام هباءً، ومنها:
- الإفراط في تناول الطعام
ربما يرتبط صيام رمضان بإعداد وجبات طعام أكثر مما تحتاج إليه الأسرة بكثير؛ مما يسبب سوء التغذية وانخفاض الطاقة.
لذلك ينبغي إعداد وجبات صحية ومتوازنة بها ما يكفي من البروتين والدهون الصحية، والكربوهيدرات المعقدة.
إضافةً إلى أنه يمكن لتناول التمر والماء عند الإفطار أن يساعد على تجنب الإفراط في تناول الطعام.
كذلك من المهم تناول وجبة السحور تجنبًا للشعور بالجوع والإجهاد في اليوم اللاحق.
- شراء كثير من الحلوى
لذلك ينبغي تناول وجبات منزلية الصنع قدر الإمكان في أثناء مدة الإفطار؛ من أجل تحقيق أقصى استفادة صحية.
- الجفاف
يحدث ذلك نتيجة عدم تعويض الجسم ما يكفي من السوائل بعد الإفطار، كذلك قد يؤدي تناول الشاي أو القهوة إلى الجفاف.
لذلك يجب الحرص على تناول ما لا يقل عن ثمانية أكواب من الماء يوميًّا.
7 أطعمة تضر بالدماغ
على غرار تأثير الصيام على الدماغ، توجد بعض الأطعمة التي تؤثر سلبًا في الذاكرة والمزاج، وتزيد خطر الإصابة بالخرف وأمراض السكري وغيرها، ومنها:
- المشروبات السكرية والصودا، لا سيّما تناول كميات كبيرة منها.
- الكربوهيدرات المكررة والحبوب المعالجة، مثل: الدقيق.
- الأطعمة التي تحتوي على نسبة عالية من الدهون المتحولة.
- الأطعمة المصنعة، ذلك لاحتوائها على نسبة عالية من السكر والدهون المضافة، والملح.
- الأسبارتام (Aspartame)، هو مُحلي صناعي يُستخدم في عديد من المكونات الخالية من السكر.
- الأسماك التي تحتوي على نسبة عالية من الزئبق، مثل: التونة وسمك القرميد، يمكن الاكتفاء بتناول حصتين إلى ثلاث حصص منها فقط أسبوعيًّا.
- الأطعمة المحتوية على النترات، مثل: اللحوم المعالجة والنقانق؛ إذ قد ترتبط بالاكتئاب أو الإصابة باضطراب ثنائي القطب.
في الختام، يعد الصيام فرصة رائعة لاكتساب عادات جديدة من شأنها تحقيق أقصى استفادة من تأثير الصيام على الدماغ بصورة إيجابية.
لذلك ينبغي عدم الإفراط في تناول الطعام غير الصحي الذي يضر الدماغ.
دمتم بخير!