من هنا بدأت رحلتي مع مرض التهاب الفقار المقسط، منذ شهور وأنا أعاني آلامًا شديدة أسفل الظهر خاصةً عند استيقاظي من النوم.
ما إن أتحرك وأبدأ ممارسة أعمالي اليومية أتخلص من إزعاج هذا الألم وأشعر بقليل من الراحة.
شخص الألم بعد زيارتي للطبيب أنه انزلاق غضروفي في الفقرات القطنية.
على غير المتوقع كانت آلامي تزداد يومًا بعد يوم، وتورم في مفصل الركبة يزداد تدريجيًّا، وتقيد شديد في حركة عمودي الفقري، وانتهى الأمر بصعوبة قليلة في التنفس.
راودني الشك وزرت طبيبًا آخر شخَّص هذه المعاناة بالتهاب الفقار المقسط، وبدأت رحلة العلاج.
دعنا -عزيزي القارئ- نأخذك في رحلة شيقة تتعرف فيها إلى التهاب الفقار المقسط، وأسبابه وأعراضه، وكيفية تشخيصه، وأخيرًا العلاج المناسب لهذا المرض.
ما التهاب الفقار المقسط؟
يعد نوعًا نادرًا من أنواع التهاب المفاصل ويُسبب التهاب العمود الفقري، ويُعرَف كذلك أنه مرض التهابي مناعي مزمن.
يصيب في الأساس أربطة مفاصل الرقبة والظهر، والمفاصل العجزية أسفل الظهر.
تتمدد جذور الإصابة إلى باقي مفاصل الجسم، مثل: الفخذ والركبة والكاحل، وفي الحالات المتقدمة يتأثر القفص الصدري والعين بهذا المرض.
يتميز التهاب الفقار المقسط في بداية الأمر بالآلام الشديدة مع درجة بسيطة من التيبس.
مع مرور الوقت وعدم الدراية الكافية بالتشخيص الصحيح والعلاج المناسب للمرض يحدث تعظم أربطة الفقرات المصابة أي تحول الأربطة إلى كتلة عظمية.
ينتج عن ذلك تجمد شديد في العمود الفقري، وقلة المجال الحركي الخاص به.
يصاب الرجال بالتهاب الفقار القسطي بنسبة أكبر منها في النساء، ويظهر عادةً في نهاية مرحلة المراهقة وبداية مرحلة البلوغ.
أسباب التهاب الفقار المقسط
يصنفه العلماء أنه مرض وراثي بنسبة كبيرة؛ فنجد عددًا كبيرًا ممن يعانوا التهاب الفقار القسطي لديهم خلل جيني موروث يُسمى (HLA-B).
مع ذلك فإن معظم الذين عانوا ذلك الخلل لا يصابون بهذا المرض.
يعتقد الأطباء أن هذا الخلل يؤدي بجهاز المناعة إلى محاربة بعض أنواع البكتيريا في الجسم مما ينتج عنه أعراض المرض الشائعة.
لا توجد اختبارات محددة لتشخيص المرض، ويُعد الفحص السريري للمريض ومتابعة أعراضه من أهم خطوات تشخيص المرض.
يتطلب الأمر أحيانًا بعض اختبارات التصوير الطبي، مثل: الأشعة السينية أو التصوير بالرنين المغناطيسي.
اعراض التهاب الفقار المقسط
تُعد آلام أسفل الظهر والرقبة خاصةً التي تظهر بعد النوم أو بعد مدة خمول من أبرز أعراض التهاب الفقار المقسط، وتوجد بعض الأعراض الأخرى، مثل:
- آلام في عديد من مفاصل الجسم، مثل الركبة، والفخذ والحوض، أو غيرها من أماكن متفرقة في الجسم.
- الإجهاد العام والإرهاق.
- صعوبة الوقوف أو المشي.
- فقدان الشهية والوزن.
- خلل في الرؤية.
- قصور في عملية التنفس.
هل مرض الفقار المقسط خطير؟
تتفاوت شدة مرض التهاب الفقار المقسط بين الحالات المصابة به؛ إذ تكون الإصابة لدى بعض الحالات من الدرجة الخفيفة.
حينئذ يعاني المريض آلامًا خفيفةً إلى متوسطة على مستوى أسفل الظهر أو الرقبة، مع احتمالية وجود التيبس أو عدمه.
يمكن أن تظهر الأعراض في وقت وتختفي في وقت آخر، ويمكن للمريض ممارسة حياته اليومية بصورة طبيعية.
يعاني المصابون في الحالات المتطورة بهذا المرض آلامًا شديدةً مستمرةً على مستوى الظهر والرقبة وغيرها من المفاصل، مثل: الركبة أو الفخذ.
يمكن أن يتطور المرض ليُحدث التحام بين فقرات الظهر أو ما يُعرف بالتصلب؛ الذي بدوره سيؤدي إلى انحناء العمود الفقري للأمام مع مرور السنوات.
تتفاقم خطورة المرض مع حدوث المضاعفات، التي تتمثل في عدة نقاط، ألا وهى:
- ألم في العين (Painful Eye Inflammation)، وعدم وضوح الرؤية (Uveitis) وحساسية العين للضوء (Iritis).
- تقييد حركة القفص الصدري؛ ومِن ثَم قصور عمل الرئة وعملية التنفس.
- زيادة احتمالية تعرض المريض للكسور على مستوى الفقرات؛ التي بدورها يمكن أن تصيب الأعصاب التي تمر من العمود الفقري، أو إصابة الجزء السفلي من النخاع الشوكي.
- حدوث بعض مشكلات القلب والمثانة، وغيرها من أنواع السرطان المختلفة.
علاج التهاب الفقار المقسط
يُعد التهاب الفقار المقسط ويُعرَف كذلك بالتهاب الفقار الروماتويدي مرضًا مزمنًا لا يوجد له علاج جذري.
لكن لا داعي للقلق -عزيزي القارئ- إذ توجد بعض الأدوية والوسائل العلاجية الأخرى تهدف إلى منع المضاعفات، وتقليل الالتهابات، وآلام المفاصل والفقرات، ومنها:
- الأدوية المضادة للالتهابات غير الستيرويدية (NSAIDs) أو الستيرويدات.
- الأدوية المضادة للروماتيزم المعدلة (DMARDs).
- العلاج الطبيعي والعلاج المائي.
- الأدوية البيولوجية.
- اتباع أنظمة غذائية صحية تحت إشراف الطبيب.
- تقليل الكحوليات والتدخين.
- الجراحة.
دور العلاج الطبيعي في علاج التهاب الفقار المقسط
العلاج الطبيعي جزء أساسي من علاج الالتهاب، ويهدف إلى تقليل معاناة المريض، وتخفيف آلامه، ومساعدته على ممارسة حياته الطبيعية.
يحرص طبيب العلاج الطبيعي على وضع الوسائل العلاجية المتعددة في برنامجه، وتهدف إلى:
- زيادة حركة العمود الفقري والقدرة الوظيفية.
- تقليل التصلب الصباحي.
- تصحيح وضعية الجسم.
- زيادة القدرة على الحركة وتحسين الحالة النفسية والاجتماعية للمرضى.
تمارين التهاب الفقار اللاصق
تشمل الخطة العلاجية لبرنامج العلاج الطبيعي مجموعة من التمارين العلاجية يضعها الأخصائي وفق كل مريض وما يناسبه.
تساعد هذه التمارين بما لها من دور هام وفعال في علاج كثير من مشكلات مرض التهاب الفقار المقسط وتقليل مضاعفاته.
إليك عزيزي القارئ مجموعة من هذه التمارين العلاجية:
- تمارين الإطالة: تقلل تقلص العضلات، وتحسن القدرة الوظيفية، وتحسن كذلك اتساع الصدر في أثناء التنفس.
- السباحة والعلاج المائي، والتمارين الرياضية الهوائية لهم دور فعال في تقليل الألم والالتهابات، ورفع كفاءة عمل الرئة.
- تمارين التنفس لمنع مضاعفات المرض، والحفاظ على الرئة.
- تمارين اليوجا.
- جهاز السبايروميتر (Spirometer): يمكن استخدامه وسيلةً أخرى لأداء تمارين التنفس.
- تعديل وضعية الجسم في أثناء النوم، وممارسة الحياة اليومية.
علاج مرض التهاب الفقار المقسط بالاعشاب
يلجأ البعض لاستخدام الأعشاب لتخفيف آلام التهاب الفقار المقسط، على الرغم من وجود الوسائل العلاجية الأخرى.
تعد الأعشاب وسيلة آمنة في أحيان كثيرة، ويجب أن تكون تحت إشراف الطبيب المختص.
على الرغم من كونها وسيلة آمنة، إلا إن الاستخدام الخاطئ لها قد يسبب التداخل الكيميائي مع بعض الأدوية؛ مسببًا آثارًا جانبية قد تؤثر في الصحة العامة للإنسان، والضرر بأجهزته الحيوية.
يُعد الكركم من أهم الأعشاب المستخدمة في العلاج.
إذ يحتوي على مادة الكركمين ذات اللون الأصفر التي لها دور كبير في تقليل التهابات الجسم بصفة عامة، والمفاصل بصفة خاصة.
يصنف الزنجبيل والقرفة كذلك من الأعشاب المهمة؛ لما لهما من خصائص مضادة للبكتيريا، وتأثيرهما في التهابات الجسم.
في النهاية -عزيزي القارئ- عليك العلم أن التشخيص والعلاج المبكرين لالتهاب الفقار المقسط نصف الحل.
يجب استشارة الطبيب فور الشعور بأي من الأعراض السابقة، وتناول الأدوية بانتظام، وممارسة التمارين العلاجية، واتباع نصائح الأطباء لكي تنعم بحياة هادئة خالية من الآلام.
