الطب النفسي

الطريق إلى فهم اضطراب طيف التوحد

اضطراب طيف التوحد

ارتبط مصطلح اضطراب طيف التوحد في عقلي منذ الصغر بأنشودة كنت أحب سماعها وترديدها.

كانت تحكي قصة طفل مصابًا بالتوحد، ومدى احتياجه إلى تفهم من حوله لتوحده، خاصةً والديه.

ولمَّا كان دائمًا الوعي بالمشكلة والإلمام بجوانبها من أسهل الطرق لفهمها وحل لغزها.

ما رأيك -قارئ مقالي العزيز- لنبدأ رحلتنا إلى فهم اضطراب طيف التوحد، ومعرفة أعراضه وأسبابه، وكل ما قد يشغلك عن هذا الاضطراب.

 

تعريف اضطراب طيف التوحد

يمكن تعريف التوحد بأنه اضطراب معقد يشمل إعاقة في النمو، ومرتبط بالدماغ.

يؤثر في طريقة تواصل الشخص مع المحيطين به؛ إذ يواجه المصاب بالتوحد صعوبات كثيرة في التواصل الاجتماعي مع الآخرين.

على سبيل المثال، لا يستطيع المصاب بالتوحد المحافظة على التواصل البصري مع متحدِثه.

يتميز المتوحد كذلك بممارسة سلوكات محددة ومتكررة، لكن غالبًا تختلف حدة الأعراض وتأثيرها في الحياة من شخص إلى آخر.

هل التوحد يستمر؟

تبدأ أعراض التوحد في مرحلة الطفولة وتختلف الأعراض بين الأشخاص، كذلك قد تتحسن أو تقل مع العمر، لكن مع ذلك يستمر طوال حياة الفرد.

 

ما انواع طيف التوحد؟

يُطلق اضطراب طيف التوحد الآن على عدد من الاضطرابات، لكن مسبقًا كان يُشخّص كل اضطراب على حدة؛ بناءً على الاختلافات بين الأعراض وحدتها.

تشمل الاضطرابات التي يتضمنها مصطلح اضطراب طيف التوحد، ما يأتي:

  • التوحد.
  • متلازمة اسبرجر (Asperger’s Syndrome).
  • اضطرابات النمو المنتشرة غير المحددة بطريقة أخرى (PDD-NOS).

مع أنه لا يوجد علاج محدد إلى الآن للتعامل مع التوحد؛ إلا إن اكتشاف الأعراض مبكرًا يسهم كثيرًا في التحكم فيها.

 

أسباب اضطراب طيف التوحد

لا يزال العلماء إلى الآن يحاولون فهم طيف التوحد، وفك لغز هذا الاضطراب المعقد، وإيجاد الإجابة عن السؤال المطروح، وهو:

لماذا يصاب به شخص دون آخر؟

لكن لم يتوصل العلماء إلى الآن إلى سببٍ رئيسي يؤدي إلى الإصابة بطيف التوحد، وما زالت الدراسات قائمة.

من أهم الأسباب التي يمكن أن يكون لها دور في الإصابة، الآتي:

الجينات

ربما يوجد ارتباط بين عديد من الجينات والإصابة بالتوحد.

كذلك يمكن أن ترتبط الإصابة باضطراب طيف التوحد ببعض الاضطرابات الجينية الأخرى، مثل: متلازمة ريت (Rett Syndrome). 

، ومتلازمة كروموسوم X الهش (Fragile X Syndrome).

العامل البيئي

يستمر البحث إلى الآن عمّا إذا كان لبعض العوامل البيئية تأثيرًا في الإصابة بالتوحد أم لا، مثل:

  • الالتهابات الفيروسية.
  • الأدوية في أثناء الحمل.
  • مضاعفات الحمل.
  • التلوث البيئي، مثل: تلوث الهواء.

تشير بعض الدراسات إلى أن اجتماع الجينات مع التأثيرات البيئية المختلفة قد يكون له تأثيرًا في النمو، الذي يؤدي بدوره إلى الإصابة بالتوحد.

هل تُسبب اللقاحات الإصابة باضطراب طيف التوحد؟

لا يوجد أي صلة بين حصول الأطفال على اللقاحات والإصابة باضطراب طيف التوحد، فلا توجد دراسة موثوقة تشير إلى هذا.

بالنسبة إلى الدراسة التي أثارت هذا الجدل فلم يعتد بها؛ إذ إن أساليب البحث المتبعة في هذه الدراسة غير موثوقة، ومشكوك بها.

يجب على الوالدين الحرص على أخذ أطفالهم لجميع التطعيمات، حفاظًا على سلامتهم ووقايتهم، ومنع تعرضهم للأمراض الخطرة.

لكن ما عوامل زيادة خطر الإصابة باضطراب طيف التوحد؟

 

عوامل زيادة خطر الإصابة

توجد بعض العوامل التي قد تزيد فرص الإصابة، ومنها:

  • الأطفال الذكور أكثر إصابة بمعدل 4 مرات من الإناث.
  • وجود أخ أو طفل مصاب بالتوحد في العائلة.
  • نقص وزن الطفل عند الولادة.
  • الطفل المولود قبل مرور 26 أسبوعًا من الحمل.
  • كبر سن الوالدين.
  • بعض الاضطرابات الوراثية التي ذُكرت مثل متلازمة ريت (Rett Syndrome).

 

اعراض طيف التوحد

اعراض طيف التوحد
اعراض طيف التوحد

يشمل طيف التوحد أعراضًا عديدة، وقد يعاني بعض الأشخاص أعراضًا أو صعوبات لا يعانيها الآخرين.

لكن توجد بعض الأعراض المشتركة والمتعارف عليها بين المصابين بالتوحد، وهي مشكلات التفاعل والتواصل الاجتماعي، وكذلك بعض السلوكات والأفعال المتكررة.

سنذكر هنا مؤشرات اضطراب طيف التوحد المبكرة عند الأطفال، لعلنا نرشد كل أم تقرأ هذا المقال إلى سرعة التصرف واستشارة الطبيب حال ملاحظتها وجود هذه الأعراض لدى طفلها.

أولًا مشكلات التواصل الاجتماعي

من أهم الأعراض التي تُلاحَظ مبكرًا لدى الطفل:

  • عدم انتباهه أو استجابته عند ندائه باسمه عند عمر 9 شهور.
  • بعمر 9 شهور كذلك لا يظهر أي تعابير على وجهه تدل على الفرح أو الحزن أو غيرهما من المشاعر المختلفة.
  • يتجنب الاتصال البصري مع أي شخص.
  • لا يلعب الألعاب التفاعلية عند عمر 12 شهرًا.
  • قد لا يستخدم الطفل الإيماء باليد، مثل: التلويح عندما تقول له وداعًا بعمر 12 شهرًا.
  • لا يشير إلى الأشياء، كذلك لا ينظر إليها إذا أشار إليها شخص آخر بعمر 18 شهرًا.
  • عند عمر 30 شهرًا لا يلعب الطفل الألعاب التخيلية، مثل: إطعام لعبته.
  • عند عمر 3 سنوات أو أكثر يعاني صعوبات في فهم مشاعر الأشخاص حوله، كذلك يصعب عليه شرح ما يشعر به.
  • لا يهتم أو يشارك الأطفال ممن هم في نفس عمره ويفضل الانعزال باستمرار.
  • قد يتجنب الطفل الاتصال الجسدي أو يرفضه تمامًا.
  • لا يرفع الطفل يده لكي يحمله من حوله.

ثانيًا السلوكات المتكررة

من أهم الأفعال التي يكررها الطفل الآتي:

  • بعض الحركات الغريبة، مثل: الخفقان باليد، والدوران في دوائر.
  • ممارسة أنشطة معينة دائمًا.
  • الهوس بالروتين، والانزعاج من وجود أي تغيير.
  • اللعب بالألعاب وترتيبها دائمًا بنفس الطريقة.
  • ترديد كلمات أو عبارات محددة باستمرار (Echolalia).
  • الحساسية الزائدة من اللمس والصوت والضوء؛ إذ يُظهر ردود أفعال غير منطقية.
  • عادات الأكل المزعجة.
  • سلوك عدواني مع نفسه ومع الآخرين.

أعراض وسمات أخرى

قد توجد هذه الأعراض لدى معظم المصابين باضطراب طيف التوحد، مثل:

  • المهارات اللغوية المتأخرة.
  • تأخر مهارات الحركة.
  • بطء المهارات التعليمية.
  • السلوك المفرط والاندفاعي.
  • اضطرابات القلق المفرطة.
  • نوبات الصرع.
  • مشكلات الجهاز الهضمي.

 

ملاحظة هامة:

يمكن ألَّا يعاني الطفل المصاب بالتوحد كل هذه الأعراض التي ذُكرت هنا، بل يمكن ألّا يعاني أيًا منها، فالمهم تشخيص الطبيب للحالة وتقييمها.

 

التوحد عالي الأداء (High-functioning Autism)

استُخدِم هذا المصطلح للإشارة إلى المصابين بالتوحد، إلا إنهم يمكنهم التعامل والعيش دون الحاجة للآخرين.

إذ يمكن لهؤلاء الأشخاص التحدث جيدًا، والقراءة والكتابة، كذلك ممارسة الأنشطة الحياتية المعتادة، مثل: الأكل وارتداء الملابس.

لكن يظل لدى هؤلاء الأشخاص مشكلات في التواصل الاجتماعي وصعوبة تكوين صداقات.

أظهرت دراسة أجريت عام 2013 أن هناك 1 من بين 5 أطفال أصبحوا معافين تمامًا ولم يعودوا مصابين بالتوحد؛ فهل كانوا يعانون أعراض التوحد المؤقت؟

لا زال هناك تعارض بين رأيين وهما، هل تعافى هؤلاء الأطفال من التوحد فعلًا؟ أم أن تشخيص إصابتهم بالتوحد كان خاطئًا من البداية.

 

الإرهاق التوحدي

توجد ظاهرة تسمى بالإرهاق التوحدي، يُظهر فيها المتوحد بعض أعراض التوحد الواضحة أكثر من أي وقتٍ آخر، ويفقد كثيرًا من قدراته المهارية.

يحدث الإرهاق التوحدي في أي وقت من حياة الفرد، لكنه يظهر أكثر في مراحل التحول في الحياة، مثل سن البلوغ أو الرشد.

إذ إن مرور الشخص بمرحلة صعبة وبها ضغوطات وتغييرات كبيرة تؤثر فيه.

على سبيل المثال قد يفقد بعض الأطفال مفردات الكلمات التي كانوا يعرفونها، كذلك يمكن أن تتوقف استجابتهم إذا نودوا بأسمائهم.

كذلك قد يفقد الشخص في مرحلة مراهقته القدرة على التواصل بالعين، ومواصلة حوار مع متحدثه.

إذن فالإرهاق التوحدي يقصد به الأوقات التي يفقد فيها المتوحد بعضًا من قدراته المهارية أو اللغوية التي اكتسبها سابقًا؛ بسبب الإجهاد أو الضغوط.

 

تشخيص طيف التوحد

مع أن التشخيص المبكر يُحدِث فرقًا كبيرًا في حياة الطفل وعائلته، لكن مع الأسف لا يُعد تشخيص اضطراب طيف التوحد سهلًا.

على سبيل المثال، لا توجد تحاليل أو اختبارات دم مخصصة تُستخدم في التشخيص.

يعتمد الطبيب في التشخيص مبدئيًا على ملاحظة الطفل وسلوكاته، كذلك الاستماع إلى الوالدين.

غالبًا تبدأ خطوة التشخيص المبكر عند طبيب الأطفال.

زيارة طبيب الأطفال

يُجرى تقييم للأطفال عند عمر 18 شهرًا وعمر السنتين، ليطمئن الطبيب أن الطفل لا يعاني أي مشكلة حتى لو لم توجد أعراض.

غالبًا يشخص التوحد لدى الأطفال عند عمر العامين.

أحيانًا قد يحتاج الطبيب من الوالدين إلى الإجابة عن بعض الأسئلة، مثل:

  • هل ابتسم الطفل في عمر 6 أشهر؟
  • هل يكرر الطفل تصرفات وسلوكات غير معتادة؟
  • ما مدى انتباه الطفل عندما يحاول شخص ما لفت انتباهه؟
  • هل يتواصل الطفل مع المحيطين به بصريًا دون مشكلة؟

لذلك يجب على الوالدين ملاحظة هذه الأشياء والإجابة الدقيقة على الطبيب.

إذا كانت الأمور تسير على ما يرام، هنا ينتهي الأمر.

لكن إذا عانى الطفل أي مشكلة في النمو أو شك الطبيب في اضطراب طيف التوحد يحتاج الطفل إلى إجراء بعض الفحوصات.

فحوصات أخرى

إذا احتاج الطفل إلى بعض الفحوصات الأخرى اللازمة، قد يتعين زيارة بعض الأخصائيين، مثل مختص علم نفس الطفل، واختصاصي النطق واللغة.

يُكتشَف من هذا التقييم القدرات اللغوية للطفل، ومستواه المعرفي ومدى توفر مهارات الحياة المختلفة لديه، مثل: الأكل وارتداء الملابس وغيرهما.

طبقًا لما نشرته الجمعية الأمريكية للطب النفسي (The American Psychiatric Association)، يجب أن يتوفر الآتي ليكون الطفل ضمن اضطراب طيف التوحد:

  • تحديات التواصل الاجتماعي.
  • أنماط السلوك غير المعتاد المتكرر.

لكن يمكن أن يطلب الطبيب بعض التحاليل اللازمة لاستبعاد أي مشكلات أخرى تؤدي إلى هذه الأعراض.

تشخيص التوحد لدى البالغين

تكمن صعوبة التشخيص عند البالغين في أنه لا توجد أي تحاليل أو فحوصات مستخدمة في التشخيص.

كذلك قد يصبح الشخص البالغ ماهرًا في إخفاء أعراضه والتحكم بها.

 

علاج اضطراب طيف التوحد

لا يوجد علاج نهائي إلى الآن يشفي من اضطراب طيف التوحد، كذلك لا يوجد علاج واحد يناسب الجميع.

تهدف جميع العلاجات المتوفرة الآن إلى تحسين قدرة الطفل المعرفية وتنمية مهاراته اليومية، وزيادة التفاعل والتواصل الاجتماعي.

من أهم العلاجات الآن:

مناهج السلوك والتواصل

تساعد تلك المناهج على توجيه الطفل وتعزيز تفاعله الاجتماعي، وزيادة مهاراته.

الأنظمة الغذائية

من الأمور التي قد تحدث فرقًا في أعراض التوحد، منع أنواع غذائية معينة وإدراج بعض الفيتامينات أو المكملات الغذائية.

الأدوية

لا توجد أدوية محددة تستخدم لعلاج التوحد، لكن قد تساعد بعض الأدوية الأشخاص المصابين على أداء وظائفهم أو التحكم في بعض الأعراض.

 

ختامًا -عزيزي القارئ- اضطراب طيف التوحد يشمل أعراضًا واسعة ومختلفة من شخص لآخر.

لا يتوجب عليك الهم والحزن، كلنا مصابون باختلاف مصابنا، والتوحد ليس النهاية؛ لتنظر حولك وترى من تغلبوا على التوحد وأثبتوا للحياة أنهم على استعداد للمواجهة.

المصابون بالتوحد مثل الجميع يعانون أشياءً، ومع ذلك لديهم أشياءً يتميزون بها عن غيرهم،

فالتوحد ليس مرضًا ولا حاجزًا عن التمتع بالحياة.

 

اقرأ أيضًا

التأخر الحركي عند الأطفال | بين اضطرابات النمو والمعدل الطبيعي

تغذية الاطفال الرياضيين | كيف يؤثر الغذاء في الأداء الرياضي؟

 

بواسطة
د. أسماء علي
المصدر
cdcwebmdgoodtherapymayoclinicnimhpsychiatrymedlineplus

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى