أعاني الإسقاط النفسي هذا ما أخبرتني به صديقتي الطبيبة النفسية عندما شكوت لها عن والدة زوجي، فهي لا تحبني.
منذ أن تزوجت وتتصيد لي الأخطاء، ولا تقدر مجهودي، وتتكلم كثيرًا في التجمعات ولا تدع لي فرصة.
ردت صديقتي قائلة: “إنك تعانين الإسقاط النفسي؛ فأنت تعلمين أنها تتودد لكِ دائمًا، مع ذلك تستمرين في البعد عنها ورفضها، ولا تتحدث معك كثيرًا حتى لا تحرجينها كعادتك، وتعلم أنك لا تحبين الحديث في التجمعات، سأشرح لكِ حالتكِ وأساعدكِ على التعامل معها”.
ما الإسقاط النفسي؟
يُعد الإسقاط النفسي (Psychological Projection) آلية دفاع نفسية يتخذها الإنسان، لإسقاط المشاعر السلبية والصفات السيئة لديه على شخص آخر.
قال جلال الدين الرومي: “لعل كثيرًا من العيوب التي أمضيت وقتك ملاحظًا إياها في الآخرين، ما هى إلا انعكاس لحالك أنت”.
الإسقاط النفسي في علم النفس
يُطلق عليه أحيانا اسم (الإسقاط الفرويدي)، إذ اكتشفه العالم النفسي النمساوي سيغموند فرويد عام 1895، الذي يُعرف بأبو التحليل النفسي.
لاحظ في أثناء جلساته مع المرضى إسقاطهم مشاعرهم السلبية على من حولهم واتهام الآخرين بها مما جعل المرضى أكثر تعاملًا مع مشاعرهم.
أسباب الإسقاط النفسي
يفعل الإنسان الإسقاط دون وعي منه لحماية الأنا بداخله من المشاعر والأفكار السلبية.
يُصنف نوعًا من أنواع الدفاع عن النفس؛ إذ إن إسقاط التصرفات والعيوب السيئة يحميك من الاعتراف بوجودها في شخصيتك.
يضفي هذا الإسقاط شعورًا بالراحة للشخص حين يكتشف عيوب الآخرين بدلًا من اكتشاف عيوبه.
من يفعل الإسقاط النفسي؟
من يظن أنه يعرف نفسه جيدًا، بينما في الحقيقة لا يعرف نفسه بصورة كافية.
كذلك من يعاني انعدام الثقة بالنفس ويلقي الشعور بالدونية لديه على الآخرين.
لكن يحدث العكس تمامًا مع الأشخاص الذين يقبلون ضعفهم وفشلهم والقادرين على تقبل شخصياتهم بالعيوب والمزايا ونقاط الضعف.
الشخص النرجسي (Narcissist)
يُعد من أكثر الشخصيات التي تمارس الإسقاط، فالشخص النرجسي لا يرى عيوبه وكثيرًا ما يلقي بعيوبه على الآخرين خاصةً شريك حياته.
يفعل ذلك عادةً خوفًا من انفصال الآخرين عنه أو استبعاده من حياتهم.
أنواع الإسقاط
يظن بعض الناس أنه يوجد نوع واحد للإسقاط، لكن هذا ليس صحيحًا، بل له أنواع أخرى ليست سلبية، ومنها:
الإسقاط العُصابي أو الإسقاط النفسي
يُعد من أكثر الأنواع انتشارًا، هو طريقة الدفاع عن النفس بإسقاط المشاعر السلبية على الآخرين.
الإسقاط التكاملي
يحدث للإنسان عندما يظن أن الآخرين لديهم نفس الرأي ووجهة النظر، مثل: تسميم الكلاب الضالة.
يدين معظم الأشخاص هذا الفعل، ولكن بعض الأشخاص يظنون أن هذا أفضل من أجل المشي في الطرقات بسلام ودون خوف.
الإسقاط التقديري
يختلف هذا النوع قليلًا، كذلك فهو غير منتشر مثل التكاملي.
يظن الشخص أن كل البشر لديهم المهارات نفسها والقدرة على أداء أي شيء يستطيع هو أداؤه، مثل: الطبخ، المعظم يظن أن إعداد البيض سهل وبسيط وكل إنسان يستطيع طبخه، وهذا ليس صحيحًا.
الإسقاط النفسي المعاكس
يشبه الإسقاط العُصابي لكن يخالفه في الصفات؛ إذ يسقط الشخص صفاته الجيدة على الآخرين.
وهذا نراه واضحًا في حالات تسامح الضحايا مع المُعتدين عليهم.
إذ يسقطون صفاتهم الجيدة على المعتدين عليهم دون رؤية مدى الأذى النفسي الذي لحق بهم ولا يقتنعون بمدى سوء شخصياتهم.
علاج الإسقاط النفسي
للأسف في معظم الحالات لا يدرك الشخص أنه مصاب بالإسقاط، وتُعد معرفة الذات الخطوة الأولى لعلاج حالة المريض.
مع ملاحظة أن أي انفعال زائد عن الحد أو تمسك بالرأي من جهته لا يجب أن يتركه هكذا، بل يجب معرفة السبب وراء ذلك.
توجد بعض الخطوات التي يمكن تطبيقها، ومنها:
- البحث داخل الروح والتساؤل عن سبب فعل ذلك، واكتشاف العيوب الذاتية مع عدم لوم الآخرين عليها.
- يجب أن يبحث الشخص عن العلاقات السيئة في حياته سواء في العمل أو المنزل أو مع الأصدقاء.
- ينبغي مراعاة النفس وعدم القسوة عليها في أثناء تهذيبها.
- ينبغي الاستعانة بالمحيطين وسؤالهم عن رؤيتهم الخاصة، والتمتع بسعة الصدر لسماع آرائهم مهما كانت.
- الاستعانة بطبيب نفسي؛ إذ يمكنه توجيه الشخص وتصحيح رؤيته، ومن ثمّ يتمكن من إصلاح علاقاته مع الآخرين.
- لا ينُصح باللجوء إلى الحدة في التعامل مع الآخرين أو لومهم على المشكلات الخاصة، بل ينبغي حلها برويّة واستخدام النقاش المثمر.
عادةً ما تحمي الطبيعة البشرية نفسها من المشاعر والتجارب السلبية تلقائيًّا، لكن عند تحول ذلك إلى الإسقاط النفسي المتكرر، يجب التوقف والنظر لأسباب ذلك.
إذ يؤدي ذلك إلى زيادة الثقة بالنفس واستحسان الآخرين للشخص، والمساعدة كذلك على تكوين علاقات جيدة معهم.
اختبار الإسقاط النفسي
يعَد هذا الاختبار بمنزلة نظام تشخيص متعدد المحاور؛ إذ يكشف عن جوانب شخصية الإنسان من خلال استجاباته للمحفزات الخارجية والغامضة.
يعتمد في تطبيقه على الإبداع والخيال والقدرة على التعبير والترميز.
إذ يمكن فهم الشخصية وصفاتها من خلال إسقاط المواقف الداخلية وأنماط السلوك وردود الأفعال على تلك المحفزات.
يعتمد هذا الاختبار على وجود كلٍ من الآتي:
- مواد إبداعية للرسم.
- حافز لفظي، مثل: الكلمات، أو غير لفظي، مثل: بقع الحبر (اختبار رورشاخ).
- وسائل للإكمال، مثل: أكمل الجمل، أو الفراغ.
- وسائل الترتيب، مثل: ترتيب الصور أو الأشكال.
- أشياء للتعبير عن النفس باستخدام الدُمى أو العرائس.
لكن بسبب غموض شخصية الإنسان وتنوعها الشديد وتأثرها بالثقافة والأخلاق والتعليم والنشأة والمعتقدات الدينية؛ فلا يعَد هذا الاختبار صالحًا أحيانًا للتقييم.
اختبار رورشاخ (Rorschach Test)
يعَد من أهم الاختبارات النفسية وأكثرها شيوعًا خاصةً لتشخيص مرضى الفصام.
إذ يكشف عن طريقة تفكير الشخص وذكرياته وتعاملاته مع الآخرين.
يعرض الطبيب النفسي بعض البطاقات التي تحتوي على رسومات بالحبر، ويسأل المريض عما يراه في كلٍ منها.
يسجل الطبيب الإجابة، ثم يعرض عليه البطاقات كلها مرةً أخرى، ليعرف إذا كانت إجابته ستبقى كما هي أم لا.
أخيرًا، أنت بشر، فتقبل نفسك وشخصيتك بالصفات الحسنة والسيئة، وحاول إصلاح ما يمكن إصلاحه، ولا تقسُ على نفسك أو تحملها فوق طاقتها، والتفت لعلاقاتك مع الآخرين وحاول دائمًا تحسينها.
اعلم جيدًا أن الإسقاط النفسي يمكن دائمًا معالجته وتصحيحه إذا رغبت أنت في ذلك.