دعونا نأخذ جولة في عقول المتضررين من وجود أشخاص تعاني اضطراب الشخصية النرجسية في حياتهم.
“هل ما يفعله يستحق كل هذا الثناء؟ هل حقًا لا يستطيع غيره إتمام هذه المهام؟ أرى الأمر بسيطًا.. لماذا لا يهتم بإنجازاتي أيضًا؟
هل حقًا عقلي قاصر لا يرى الأمور على حقيقتها؟ هل هو فقط القادر على حل المشكلات؟”
سننقل لك عزيزي القارئ خلال هذا المقال كل ما يلزم معرفته عن اضطراب الشخصية النرجسية.
من النرجسيون؟
تُطلق كلمة نرجسي على الشخص المزهوّ بنفسه ومظهره دائمًا، ويحب كثرة الثناء على مظهره الخارجي وشكله العام.
إذ عادةً ما تكون هذه الفئة عاشقةً للتصوير والنظر إلى المرآة؛ تقديرًا لجمالهم.
لكن في الواقع لا يقتصر اضطراب الشخصية النرجسية على هذا الحد.
إذ نجد فيه الشخص النرجسي فاقدًا للتعاطف مع الآخرين، واحترام مشاعرهم مما يؤثر سلبًا فى علاقاته عاطفية كانت أو اجتماعية.
يظهر اضطراب الشخصية النرجسية في صورة حالة عقلية يتفاقم فيها إحساس الشخص بالأهمية والعظمة واستحقاقه الاهتمام والثناء الدائم.
يصيب ذلك علاقاته بالآخرين بالتوتر الدائم نتيجة عدم حصوله على التقدير والاهتمام الذي يستحق من وجهة نظره مما يجعله شخصًا ساخطًا غير راضٍ عن حياته.
أسباب اضطراب الشخصية النرجسية
بالرغم من عدم وجود إجابة واضحة ودقيقة للسؤال عن سبب مرض النرجسية إلا إنه يوجد بعض المسببات المتوقع مشاركتها في هذا الاضطراب، منها:
- وجود اضطرابًا ما في الأعصاب مما يؤثر في العلاقة بين الدماغ والسلوك.
- قد يكون هناك اضطرابًا وراثيًا في الجينات.
- زيادة المدح والتعظيم في مرحلة الطفولة قد يساهم أيضًا في ظهور الاضطراب.
- التعرض لصدمة نفسية خلال مرحلة عمرية مبكرة أو التحكم المفرط من الوالدين.
صفات وأعراض اضطراب الشخصية النرجسية
تختلف صفات الشخصية النرجسية من شخص إلى آخر وفقًا لنوع الاضطراب وحدّته، ويمكن جمع أبرزها مثلما يلي:
- تقييم الذات المُبالَغ فيه وإحساس بالعظمة والرفعة دائمًا.
- الشعور بالانتماء إلى طبقة رفيعة من الأذكياء والمفكرين، فلا يستطيع التعامل مع الآخرين لاعتقاده أنهم لا يفهمونه وأقل منه ذكاءً.
- شعور دائم باستحقاق الشكر والثناء والاعتراف من الآخرين بتفوقه حتى دون إنجازات تبرر ذلك.
- كذلك يبدي رغبة في الاستحواذ على الحوارات وفرض الآراء.
- الانشغال دائمًا بالتفكير في الكمال وأنه لا يليق به سوى أفضل مكانة في كل شيء.
- الغيرة غير المبررة من المحيطين به ونظه أنهم يغيرون منه دائمًا ولا يريدونه ناحجًا.
- الاعتماد أحيانًا على الآخرين واستغلالهم للوصول لما يريد.
- دائمًا يعجز النرجسي عن مراعاة مشاعر الآخرين والاعتراف بحقوقهم.
- الغرور والتصرف بعلية وترفع مع الآخرين، خاصًة الأقل منه ماديًا أو علميًا.
- عادةً تختفي وراء هذه العظمة والتفاخر المتصدر للخارج شخصية ضعيفة هشة تنزوي في أعماق الشخص النرجسي وتظهر في حالات المواجهة مع شخص آخر؛ أو حتى عند تعرضه لأي انتقاد كان أو مخالفة لآرائه.
هذا ما يفسر ظهور ردود فعل عنيفة ومختلفة من الشخص النرجسي عند تعرضه لانتقادات أو رفض لمطالبه، ومنها:
- نفاذ الصبر ومشاعر غضب قاسية.
- اتهام الآخرين بالإهمال، خاصةً الأشخاص المقربين.
- إظهار مشاعر ازدراء وتقليل من الآخرين (الناقد) لإثبات أنه الأفضل.
- سرعة الإحباط والاكتئاب لعدم وصوله لمراده.
- الإحساس بالإهانة إثر خروج المشاعر السلبية المخفية تحت هالة العظمة.
أنواع الشخصية النرجسية
يتضمن اضطراب الشخصية النرجسية عدة أنواع تختلف كل منها عن الأخرى في حدتها وأبرز سماتها، وتشمل الآتي:
الشخصية النرجسية الصحية
نعم عزيزي القارئ، هناك أحد أنواع النرجسية الصحي!
إذ يمكن أن يمتلك كل شخص نسبة مسموحة من النرجسية بقدر ما تجعله قادرًا على تقييم إنجازاته والمكانة التي يستحقها.
تظهر إيجابية النرجسية الصحية للفرد خلال إدارة حياته، مثلًا: لا يقبل وظيفة عمل أقل من إمكانياته الحقيقة أو عائدًا لا يتناسب مع جهوده وإنجازاته.
نرجسية العظمة (Grandiose Narcissism)
تُعرف عادةً بالنرجسية الصرحية، وتُعد أشهر أنواع النرجسية.
يتميز فيها الشخص بالمبالغة في شعور التفوق والنجاح غير الواقعي، ويعتمد على فرض هيمنته على الآخرين.
يكون شخص متطلِّب للاهتمام دائمًا ويشير إلى استحقاقه الثناء والمدح باستمرار وعلنيًا، وإن كان على حساب الآخرين ومصلحتهم.
لا يفضل الأعمال الجماعية فهو يعتقد دائمًا أنه قادر على إنجاز أصعب المهام ولا يُحبذ مشاركة النجاح مع آخر.
الشخصية النرجسية الهشة (Vulnerable Narcissism)
تعد النرجسية الهشة صورة معاكسة لنرجسية العظمة.
إذ إن أهم ما يميز صاحبها هو الخجل والانطوائية؛ مما يجعله متباعدًا عن الناس وحساسًا تجاه الآخرين.
دائمًا يشعر بالغيرة من الآخرين ويتوق لجذب انتباههم؛ مما يجعل تصرفه ورد فعله اندفاعيًا في حال وُجّه له أي انتقاد.
النرجسية الخبيثة (Malignant Narcissism)
تُعد أسوأ أنواع النرجسية وأخطرها، وفيها يعتمد الشخص النرجسي إيذاء الآخرين أذىً صريحًا وواضحًا دون مراعاة مشاعرهم أو مدى آلامهم.
إذ لا تظهر أي بوادر تعاطف منه تجاه الشخص المتضرر، ولا نية لهم على تقديم المساعدة أيضًا.
النرجسية العقلية والنرجسية الجسدية
يتضاد هذان النوعان تمامًا مثل تضاد “المظهر والجوهر” و”القلب والقالب”.
إذا يتفاخر صاحب النرجسية العقلية بما يملك من معرفة وعلم،كذلك يظن أنه الأذكى والأعلم بين الجميع ومنها يبدأ ازدراؤه للآخرين ولا سيّما الأقل علمًا منه.
بينما النرجسية الجسدية يتفاخر فيها الشخص بمظهره الخارجي وجماله الجسدي البحت، ولا يهتم هنا بعلمه أو مكانته فقط كل ما يشغله شكله الخارجي.
التأثير السلبي وخطورة الشخصية النرجسية على الآخرين
أوضحت الدراسات أن الأشخاص النرجسيون ورغم إحساسهم بالعظمة والتفوق على الآخرين؛ لا يشعرون بالرضا عن أنفسهم وحياتهم عامةً مما يجعلهم أكثر عرضةً للاكتئاب.
ربما يعاني مشكلات عاطفية مما يؤدي غالبًا إلى الانفصال عن شريكه وإنهاء العلاقة.
يُعد الشخص النرجسي مصدر أذى لشريكه سواء من خلال التعامل معه بتعالي ورفعة والتقليل من شأنه، أو اتهامه الدائم بعدم الاهتمام.
لكن يتمحور الأذى الواقع على المحيطين من الشخص النرجسى أنه لا يهتم بمشاعر الآخرين ولا يعترف بحقوقهم.
يعتمد في إظهار شخصيته على التقليل من شأن الآخرين وتوجيه الازدراء لهم مما يؤثر في ثقتهم بأنفسهم سلبًا.
كذلك تتأثر بعض الشخصيات سلبًا من التعامل مع شخص نرجسي وتتجنب الدخول في مناقشات أو عرض أفكارها خوفًا من التعرض للتقليل من آرائها.
مضاعفات اضطراب الشخصية النرجسية
تتضمن مضاعفات الشخصية النرجسية، ما يلي:
- مشكلات في العمل والحياة الاجتماعية.
- وجود صعوبة في إدارة العلاقات وإنشائها.
- تزامن الاكتئاب والقلق مع مشاكل الصحة الجسدية.
- تعاطي الكحول والمخدرات.
- كثرة الأفكار الانتحارية.
تشخيص النرجسية
يعتمد تشخيص اضطراب الشخصية النرجسية عادةً على:
- ظهور العلامات أو الأعراض الخاصة بالاضطراب.
- فحص جسدي لاستبعاد وجود مشكلة جسدية أخرى قد تسبب الأعراض.
- تقييم نفسي شامل قد يشمل ملء الاستبيانات.
- تقييم وفق معايير الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية (DSM-5)، الذي نشرته الجمعية الأمريكية للطب النفسي.
الشخصية النرجسية وكيفية التعامل معها
بعض الأشخاص المصابة باضطراب الشخصية النرجسية لا تظهر عليهم أعراض واضحة أو حادة مما يجعل التعامل معهم سهلًا.
لكن أصحاب الأعراض الحادة الواضحة يحتاج فيها الشخص اللجوء إلى مختص يساعده على التعامل مع هذا الاضطراب والحد من آثاره.
إليك بعض الأساليب التي قد تساعدك على التعامل مع الشخص النرجسي.
التعامل معه بقيمته الحقيقة
يحاول الشخص النرجسي رسم صورة معظمة لنفسه خاصةً في وجود الناس لخطف الأضواء من خلال استخدام الأفكار العظيمة، كذلك يعد وعودًا الكثيرة.
لذلك عليك الحذر من الانسياق وراء الشخصية النرجسية وذلك بتقييم طريقته مع الآخرين دون تجمعات وملاحظة تعامله فإن أكثر الكذب وتوجيه الإهانة للآخرين، فعليك التعامل مع حقيقته الزائفة ووعوده غير واقعية.
كذلك عليك إدراك أن مصلحتك وفائدتك آخر ما يهتم به الشخص النرجسي.
التوقف عن التركيز عليه ومدحه
عليك معرفة أنه فور دخولك دائرة الشخص النرجسي والتركيز معه يجعلك غير قادر على التوقف ودائم السعي لإرضائه دون النظر لحاجتك أو مصلحتك الشخصية.
لذلك يجب عليك من البداية الحذر من الوقوع في فخ الاهتمام به أو محاولة إرضائه.
دافع عن آرائك وأفكارك
نفضل الصمت على الرد في بعض المواضيع، لكن اتباع هذا الأسلوب مع الشخص النرجسي قد يجعله يتمادى في فرض آرائه أو التقليل منك نظرًا لصمتك.
لذلك عليك الرد وتوضيح منطقك مع عدم السماح له بالتقليل من رأيك أو فكرك.
ضع حدودًا ترضيك في التعامل
ضع حدود التعامل التي ترضيك مع الشخص النرجسي حتى تضمن تعاملًا صحيًا لا يضر كرامتك أو يهين ذاتك.
إخباره صراحةً حول ما لا تجده مقبولًا لك وهذا في حال كان الشخص قريبًا منك أو مهمًا في حياتك.
لكن إن كان الخطأ الصادر من الشخص النرجسي غير مقبولًا مثل التعدي بالإهانة لفرض الرأي أو التقليل من شخصك، فأنصحك عزيزي بالابتعاد عن هذه الشخصية وإقصائها من حياتك.
ختامًا أوصيك -عزيزي القارئ- بالاستعانة بمختص إن كنت تعاني على الأقل 55% أعراض اضطراب الشخصية النرجسية المذكورة أعلاه.
كذلك إن كنت أحد المحيطين بشخص نرجسي فأوصيك باتباع طرق التعامل الصحيحة تجنبًا لأي أذى صادر من أصحاب هذا الاضطراب.
دمتم في أفضل حال.