“لقد نفذت طاقتي، أظنني غير قادر على استكمال الرحلة”؛ كانت هذه آخر كلمات صديقي المقرب للمعالج النفسي، قبل تشخيصه بمرض اضطراب الشخصية الحدية.
وبعد حوار طال عن معاناته حديثًا وانقلاب حياته رأسًا على عقب، من خلال وصفه لتصرفاته الحادة واستكمال الطبيب لخطوات التشخيص.
سأنقل لك -عزيزي القارئ- عبر سطور المقال كل ما تحتاج إلى معرفته عن هذا الاضطراب.
ما اضطراب الشخصية الحدية؟
هو اضطراب في الصحة العقلية يظهر تأثيره في طريقة تفكير الفرد وشعوره تجاه نفسه والآخرين، مما يسبب مشكلات وصعوبة في ممارسة الحياة اليومية.
تُعد التصرفات الغريبة وردود الأفعال الحادة غير المبررة؛ أهم ما يميز اضطراب الشخصية الحدية، بالإضافة إلى تغيرات واضحة في طريقة التفكير؛ خاصةً تفكير الشخص ونظرته تجاه نفسه.
كذلك يعاني أصحاب اضطراب الشخصية الحدية صعوبةً في السيطرة على مشاعرهم وخوفًا شديدًا.
بالإضافة إلى نوبات الاندفاع والغضب والنوبات المزاجية المتقلبة؛ مما يدفعهم إلى إنهاء علاقات هامة رغم رغبتهم الداخلية في الحفاظ عليها.
أسباب اضطراب الشخصية الحدية
تعد أسباب اضطراب الشخصية الحدية غير مفهومة تمامًا، كما هو الحال مع معظم الاضطرابات العقلية، وأهمها:
الجينات الوراثية
أشارت بعض الدراسات إلى وجود علاقة بين اضطراب الشخصية الحدية والطفرات الجينية أو إمكانية ارتباطها بوجود اضطرابات عقلية أخرى بين أفراد الأسرة.
اضطرابات دماغية
أوضحت بعض الأبحاث أن حدوث بعض التغيرات في أماكن معينة في المخ؛ يؤثر في تنظيم العاطفة والمشاعر العدوانية والاندفاع.
كذلك فإن ظهور تلك الاضطرابات يصاحب نقص نشاط بعض النواقل العصبية أو بعض الهرمونات التي تساعد على تنظيم الحالة المزاجية داخل الدماغ، مثل: السيروتونين (Serotonin).
العوامل البيئية
قد تسهم العوامل البيئية المختلفة في تعزيز أعراض الاضطراب وتفاقمه، مثل:
- الطفولة المؤلمة.
- التعرض للإيذاء سواء كان جسديًا أو جنسيًا.
- الضغط النفسي في بعض الحالات.
أنواع الشخصية الحدية
تختلف الأعراض وحدتها لدى المصابين باضطراب الشخصية الحدية باختلاف نوع الاضطراب الحدي ودرجته، ومنها ما يأتي:
الشخص الحدي المُثبّط
تتشابه أعراض الاضطراب مع اضطراب الشخصية الاعتمادية.
إذ يميل ذوو الاضطراب الحدي المثبط إلى التشبث بالبشر والخوف من البقاء بمفردهم، ذلك على الرغم من عدم الرضا عن أفعال المحيطين بهم واستيائهم الدائم.
الشخص الحدي المندفع
أكثر الأعراض المميزة لهذه الفئة هي سرعة الملل والاندفاع في كثير من الأفعال، مما يوقعهم في كثير من مشكلات.
بالإضافة إلى رغبتهم الشديدة والدائمة في لفت الانتباه وجذب الأنظار.
الشخص الحدي العدواني
يُعد عدم توقع أفعالهم من أبرز الأعراض، كذلك التشتت بين الاعتماد على الناس وبين البعد عنهم لتجنب أي أذى محتمل، وأيضًا عدم القدرة على تحديد مسار واحد.
الشخص الحدي المدمر للذات
المصاب هو المتضرر الأول في هذا النوع من الاضطراب الحدي؛ إذ تتحول كل المشاعر السلبية، خاصةً الغضب والمرار إلى طاقة تدمير وأذى مباشر سواء كان واعيًا لأفعاله أم لا.
أعراض الشخصية الحدية
تختلف أوجه معاناة الشخصية الحدية من شخص إلى آخر، وفق تفهمه للمرض وأعراضه أولًا.
كذلك وفقًا لدرجة تقبله للعلاج والمساعدة، وتبعًا لاختلاف حدة الأعراض، بالإضافة إلى مراعاة المضاعفات الواردة.
تتمثل نقاط ضعف الشخصية الحدية ومعاناتها في الآتي:
- الرعب المفرط من الهجر، مما يدفعه لفعل أحد التصرفين؛ إما الفراق الفعلي تجنبًا للغدر الحتمي -من وجهة نظره- أو الاعتماد الكلي على الطرف الآخر والتعلق المرضي.
- خسارة كثير من العلاقات الاجتماعية والعاطفية، ذلك بسبب تغير رؤيته السريعة في الأشخاص؛ فأحيانًا يثق في شخص ما ويعظمه بشدة ثم سريعًا ما يقتنع إنه شخص لا يستحق التقدير والاهتمام.
- تغير رؤيته لنفسه باستمرار ما بين الإحساس بالعظمة والإحساس بالدونية والهوان؛ مما يترتب عليه تغيير الأهداف والحياة المهنية.
- الميل لأفكار وسلوكيات انتحارية وأذية النفس.
- تصرفات طائشة وغير مدروسة، مما يجعله عرضةً لإيذاء نفسه.
- فقدان الأعصاب بسبب الغضب الحاد الذي ينتج عنه تصرفات غير لائقة.
- تقلبات مزاجية مفرطة قد تستمر عدة أيام.
مضاعفات الشخصية الحدية
يمكن لهذا الاضطراب أن يؤثر سلبًا في حياة الفرد اجتماعيًا وعاطفيًا والصورة الذاتية أيضًا، ويظهر ذلك كالآتي:
- مشكلات وظيفية وخسائر متكررة.
- علاقات مليئة بالصراعات والضغط النفسي.
- كثرة القضايا والعقوبات القانونية أحيانًا.
- إيذاء النفس، مثل: الجرح أو الحرق مما يؤدي إلى زيادة معدل دخول المستشفى.
- الانخراط في علاقات مؤذية.
- إدمان الكحول.
- محاولة الانتحار.
- اضطرابات الأكل وزيادة القلق والاكتئاب.
اضطراب الشخصية الحدية والاكتئاب
يُصاب المريض بالحزن واليأس من حياته ويزداد قنوطه نتيجة اختياراته السريعة المندفعة، ومنها تتراكم مشكلاته الحياتية مما يجعله أكثر عرضةً للاكتئاب.
يُعد الاكتئاب أخطر أعراض الشخصية الحدية لأنه ربما يتطور إلى أفكار انتحارية.
اضطراب الشخصية الحدية والفصام
يتشابه الفصام واضطراب الشخصية الحدية في بعض الأعراض، إذ وجدت إحدى الدراسات أن كلًا من مرضى الفصام والحدية يعانون هلاوس سمعية، لكن الفارق بين الاثنين هو شيوع الأوهام وجنون العظمة في مرضى الفصام أكثر.
اضطراب الشخصية الحدية والحب
غالبًا يملك المصابون بالاضطراب الحدي أقوى علاقات الحب، لكن ظهور الأعراض قد يؤدي إلى عدة تغيرات سريعة في المشاعر.
يظهر ذلك مثلًا في أن يكون الشخص الحدي حنونًا جدًا، لكن بمرور قليل من الوقت يشعر بالضغط والرغبة في البعد.
تشخيص الشخصية الحدية
يعتمد تشخيص اضطرابات الشخصية؛ بما فيهم الحدية على ما يلي:
- مقابلة مفصلة بين المريض والطبيب النفسي.
- تقييم نفسي شامل وقد يتضمن ملء استبيانات.
- مراجعة التاريخ الطبي للمريض.
- مناقشة الأعراض والعلامات التي يعانيها.
علاج اضطراب الشخصية الحدية
يستند عادةً علاج هذا الاضطراب إلى الدمج بين الدوائي والنفسي “الدعم النفسي”، بالإضافة إلى بعض التغيرات الحياتية والعادات اليومية.
العلاج النفسي
يُعد العلاج النفسي طريقة علاج أساسية لاضطراب الشخصية الحدية وأهدافه، كالآتي:
- التعريف الكامل بكل جوانب المرض وأهمية تقبله وضرورة إخباره أنه سيشفى من هذا الاضطراب.
- التدريب على التغلب على الاندفاع وعدم الانسياق خلف المشاعر السلبية.
- تعلم التعامل الصحيح مع المشاعر المزعجة، ومنها البدء في تحسين العلاقات الجماعية.
- التركيز على قدراته لأداء الوظائف الحيوية.
العلاج الدوائي
مع عدم اعتماد منظمة الدواء والغذاء العالمية دواء للاضطراب الحدي، إلا إنه يوجد بعض الأدوية التي تسهم في علاج الأعراض المتزامنة مع الاكتئاب أو التغيرات السلوكية، وتشمل:
- مضادات الاكتئاب.
- مضادات الذهان.
- بعض العقاقير التي تعمل على تحفيز واستقرار الحالة المزاجية.
ختامًا -عزيزي القارئ- أعلم أن الرحلة مؤلمة وأن التجربة مريرة وربما يكون الفقد فيها عزيزًا، لكن التغلب عليها ليس بالمستحيل بل ممكن جدًا، لذلك يجب الالتزام بما يطرحه الطبيب المعالج.
كذلك ضرورة تناول الأدوية في حال إدخالها ضمن الخطة العلاجية المطروحة للتعامل الصحيح مع مرضى اضطراب الشخصية الحدية.
دمتم سالمين أعزائي ودامت صحتكم فوق رؤسكم تاجًا.